الخميس، فبراير 08، 2024

ريحُ الجنة

 اليوم ومن أول لحظة أشرق نور السماوات والأرض على قلبي، كما يُشرق كل يوم، لكني اليوم رأته عيناي كما لم تره من قبل، أحسستُ بدفئه، أُغمض عيني وتشعر به كل ذرة في كياني.

اليوم أنا ظاهري كباطني.

اليوم إن مِتُّ فأنا راضية، أنا راضية، لا أتمنى الموت ولا أهرب. لن أُقْبِل أو أُدْبِر. أنا في مكاني راضية. بقدري راضية. عن ظروفي وتجاربي وآلامي وأفراحي وأتراحي راضية. عن كل حب ونبذ أنا راضية. عن كل طعنة وقبلة أنا راضية. 

أُقبّل الماء المَهِين والرَحِمَ اللَّذين كوناني. أضم جسدي المتعب الذي أهملته كثيرًا. أضم أبي وأمي وإخوتي جميعًا. أضم زوجي النبيل الصبور المُحب المحبوب. أضم طفلي الاثنين اللذين اختار الله لهما أبدية بلا نَصَبٍ ولا حُزنٍ ولا وَهَنٍ ولا كَبَد. أضم طفلتي الحبيبة المحبوبة. أضمكم يا أصدقاءي. وأضمك أبدًا.

اليوم والآن إن مِتُ أموت وأنا راضية. وإن أحيا فأنا راضية.

أتمنى أن يشملني هذا الرضا لآخر يوم في عمري. وأن تلمسه ويشملك أنتَ أنتَ يا ....

اليوم وحالًا أنا ظاهري كباطني.


أمس فعلتَ فعلاً جميلًا دون أن يراكَ أحد، وفعلتُه دون أن يراني أحد. اخترنا الجمال ونبذنا القبح، وكلاهما في إمكاننا.

اخترنا فعلًا واحدًا جميلًا جدًا. طغى نورَه وغطى كل القبائح. أنت بخير. أنا بخير. نحن بخير.  

اليوم فعلتُ شيئًا واحدًا صالحًا، وشعرتُ به. تذكرتُ الجميل فجمّلني. تذكرتُ النور ففتح باب الجنة، وكأني شممتُ ريحها.

أريد أن أتوقف لحظة. فقط لأثبّت هذه اللحظة في ذهني.

اليوم أنا بخير، وكل يوم أنا بخير. لكني اليوم أشعر أني بخير، وأني محبوبة، وأني محبة، وأني من الله وإلى الله.

وأني من الله وإلى الله.

أصلي وأدعو أن أتذكر دومًا أن الألم يكذب عندما يوهمني أنه باقٍ، وأن الظُلمة باقية، وأنه ما من يوم ستطلع فيه الشمس.

النور باقٍ لا يحتجب إلا لأن غشاوة على عيوننا، أوالتفاتًا في قلوبنا، أو وهمًا لا يرى إلا الظواهر، بينما كل نقيض يؤكد نقيضه. 

النور باقٍ حقيقي وحَقٌّ، ويسعنا جميعًا.

أتمنى أن أموت في مثل هذه اللحظة بالضبط. وأن يكون حبي كافيًا لكل من اتصل بي واتصلت به لينير في دربه ولو قليلًا.

وإن غفلتُ، أو عادت لحظات الألم والوَحشةِ، أوتقلبت الحياة كعادتها، فلا بأس. أدعو وأصلي أن أتذكر هذه اللحظة فقط.

الثلاثاء، فبراير 06، 2024

المجاز عاريًا.

 لوهلة بينما أستمع نقدًا طلبته على أحد نصوصي الشعرية اتضح لي جليًّا أني أختبأ وراء المجاز. أو أختار التعبيرات غير المباشرة. وما أريد فعله حقًا هو أن أكتب الحقيقة كما هي يومًا ما. أريد أن أستجمع شجاعتي وأكتب كتابة مودع، كتابة عارية من المحسنات، ومن التخفيف والتهوين والأعذار، كتابة تعين شخصًا آخر يختبيء وراء المجاز ليرى بوضوح شديد ما يخيفه، وينظر لهذا الخوف في عينيه ويبتسم. ويفعل ما ينبغي فعله برغم هذا الخوف.


ربما حينها يتكسر هذا الخوف المتجذر فينا.الخوف من النبذ والفقد والوحدة بلا ونيس ولا بسمات رضية مرحبة بك، أو احترام وتقدير لشخصك.

آمل أن أستطيع يومًا قول ما أشعر به فورًا. وأن لا أخجل أن أقول لشخص لقد آذاني قولك أو آذاني فعلك بنفس المباشرة والوضوح الذي أقول به (ممتنة لقولك هذا) و(أحببت فعلك ذاك)، و(أحب هذا فيك أو منك).


عندما لا نختبأ وراء المجاز، يصير المجاز مسبوكًا على الحقيقة أو على المعلومة التي يصورها، يضع تصورنا للأمر أمام العالم بوضوح، فيأخذ كل شيء مكانه عند من ينشدون هذه الحقيقة.

كما يمكن أن يوسع المعنى، ويقيم حوارًا حقيقياً يغير النفوس، أو يساعد بأي شكل.

الخميس، فبراير 01، 2024

ربما أفناكَ النسيان

 ورقة الشجر

التي سقطت 

على يدك


رفعتها الريحُ

فتهادت مع النسيمِ

وظنت أنها ذاقتِ الحب 

بعد أن انخلعت منه 


لمست الشجر والحجر

نَجَت مع العواصف


ولما تذكرت

نامت على الأرض

لم ترفعها الريحُ ثانيةً


جفت تماما 

بالشمس ذاتها

التي أحيتها يوما


رأتكَ آخر ما رأت

تمر عليها 

يدهسها الحنينُ


لا تذروها الريحُ 

                 فوق الجبالِ 

والآنَ لا تعلمُ 

              إن فَنَت للأبد

أم ستحيا في عالم آخر


الجمعة، يناير 26، 2024

بديهيات

 السراب الذي أطاردهُ

لن يصبح ماءً

عندما أُسرِعُ


والدقيقة التي فاتت

لن تعودَ

عندما أُبطيءُ


والطريق الذي أمشيه نحوكَ

لن يوصلني إليكَ

إن لم تنتظرني في آخره.


الاثنين، يناير 22، 2024

ما تقوله الريح للوحيد في غرفته

 قلبي الفارغ من كل شيء

حتى من الحزن

يريدك الآن

 

الآن ونافذتك مفتوحة

الآن وأنا عاصفة


الآن وأنت تنظر في الفراغ

وترتب لسفرك المجهول

وتتابع من تتابع

وتفعل ما تفعل

وتطارد أسئلتك العالقة 

التي تظهر وتختفي

وتدعك سرحانا


ورغبتك المتجمعة فوق بعضها

التي تغطي الفراغات والجروح 

وتعد براحةٍ بعد متعة

وتعد بمُدهش جديد 

يكسر هذا الملل


أريدك الآن

كلك

لا وقت للتفسير

لا وقت كافٍ للحزن

لا وقت كافٍ للغضب

لا مفر من مهانات الحياةِ

إلا أن يسبقها الموت


لا تلحق مهانات الموت

إلا من بقي في الحياة



دع النافذة مفتوحة

سأهبُّ فجأة

بينما نحن أحياء

لم يسبقنا الموت بعد


أقبلك من عينيك المتعبتين هاتين

أقبل السواد حولهما 

لن تجد يديك وقتا لتمسك بي


وفمك هذا

من يقول أحبك يوما

ويقول لا أحبك اليوم التالي

أريده

سأعرف بنفسي ماذا يريد

 


ويداك أريدهما

سأفُكُّ قيدهما 

وأطلقهما حُرّين كالطيور

تحط حيث شاءت


سأضمك حتى تتألم حقا

سأضمك حتى تبكي وتُشفَى

أقبلك وأضمك

أُخرج الصرخة الغاضبة 

من قلبك

وهذا الحزن السام من دمك


وسيجد كل عضو فيك مكانه 


دع النافذة مفتوحة

ودعني أحمِلُكَ على بساطٍ، 

فتَطيرَ معي  

قبل أن ينتبه الخوف

ويبدأ في التهامنا


الخميس، يناير 18، 2024

لا يَفنى ولا يظهر من عدم

 لن يذهب الحبُ

 الذي أحسسته نحوك

 سُدى

سيكونُ طعامًا لطيرٍ

 وبذورًا لشجر


سيكون نبعًا  في صحراءٍ

وظلًا ظليلا لعابري سبيل

ومنارةً في محيط


أو ربتةً على كتِف مُتعبٍ

وضمةً طويلة لمسافر بلا رجعة

نخبأ فيها كل ما لا يسعه الكلام

 


أستبقي منه ما طاب

وأترك ما عداهُ للريح


أحفظُ منه كلمة صدق 

قيلت في لحظة صدق


وحنانًا أفلتَ

               في غفلةٍ

                          من قسوة العالم 

وأترك الباقي للنسيان

الثلاثاء، يناير 16، 2024

معارك لا تُرَى

 ذلك الخواء 

يحتل صدري فجأة، 

يزيح الحشا في جهة واحدة

مكان الجروح القديمة بالضبط

يرش عليها الملحَ، ويضغط

يضغط


لا صوت لي

 

يُخلّف فجوة تتسع

تبتلع كل المشاعر 

نستدعي وَحشَة ليلِ من بقيَ

وحدهُ بعد مقتل كل من يحب


لا أسمع عندها إلا الندّاهةَ 

تتغنى باسمك

كأنه الخلاصُ الأخير


صوت الغناء غالبٌ

تحته أنين المُنتَهَك

تحته صمت العاجز 

تحته صرخة لم تخرج للعالم

وهاهي تتحلل في جوف الحي


لا صوت لي


لا أناديك 

لا أريد استنفاد الأمل

أترك له مخبأً سريًا أخيرًا

-لا أتْبعُ الغناءَ-

لن أفعل شيئا الآن

لن أناديك


لن أفعل شيئًا

 

إن أنجو فقد نجوت

وإن يبتلعني الخواءُ 

أَمُت على الطريق