الأحد، يوليو 02، 2006

لمدنِ الصمتِ حكايا

(1)
الرجل الذي احترق
________
الجو باردٌ حقًا..وهذه المدفأة لا تعادل صقيعَ الجليد الذي لم يكفّ عن التساقط من السماء..
يبدو أنك لن تنام ياصغيري..عينيك الصغيرتينِ تتطلعانِ إلي ..أنت لا تبكي..تعودت على مقاومةِ البرودة ..فأنت قد وُلِدتَ هنا..
هل تعرف؟ وُلدتُ في مكانٍ بعيد ودافئ..ثم أقمت قليلاً في بلدِ الأسلافِ..وهو مكانٌ بعيدٌ أيضًا ودافئ..
لم يكن هناك جليدٌ ياصغيري..فقط مطر تتعطر به كل فتاةٍ تحلم..وكلُّ فتىً ذو قلبٍ أبيض..
أنتَ لم تتكلم بعد..وأنا أعلمُ أنك ستسألني أسئلة كثيرة فورَ تعلمكَ الكلام..وأنا أخافُ من أسئلتك ياصغيري..فأنا لا أعرفُ أشياء كثيرة..ربما أعرف حكاياتٍ كثيرة ..هي ماأملك..
***
تضحكني ياعزيزي..أنت لم تنم بعدُ..تبدو منتبهًا منتظرًا..
لا أزعم أنك ستفهمني تمامًا..ربما لأنني لم أفهم حكاياتي تمامًا..لكنني أحس بها..
طبعًا طبعًا أحس بها..وقلبي يقول أنك ستحسها أيضًا..
وهذا يكفينا..أليس كذلك؟
كنتُ أحبُّ طريقًا معينًا من خمسةِ طرقٍ تؤدي إلى المنزل..وكان دائمًا ما أقابله بينما أستديرُ يسارًا لأدخلَ الشارع الذي يسبقُ شارعنا الصغير..ولم يسمح لي هذا الطريق بالابطاء،ولم أحظَ بيومٍ يمكنني أن أقول له فيه (صباح الفل) أو(بكم هذا ياعم؟) أو حتى نتبادلُ حديثَ البسمات..
كنتُ أظنهُ قريبًا لعم (عوف) صاحبِ البقالة الصغيرةِ التي تتميز بتوافر نوعٍ من الحلوى الاسفنجية..ربما يومًا ما سأشتريه لك لو كان عم (عوف) مازال يبيعه..لكنه لم يكن قريبًا له..ولم يكن يجلس ليبيع بدلاً منه يومًا..فقط كان يقفُ أو يجلس على كرسي ما بجوار البقالةِ التي يجاورها بابٌ منخفضٌ للعمارةِ التي تعلو هذه البقالة..
قد يكونُ جالسًا مبتسمًا فقط..أو يشرب الشاي ومبتسمٌ أيضًا..
ربما ملامحهُ هي من توحي بهذه البسمةِ الصغيرةِ التي لاتنفكّ عنه في أي وقت يمكنك أن تراه..
وهو دومًا بلونه الأسمر الداكن..وببيجامتهِ المخططة بالطولِ ..التي بهتت تمامًا..ولم يغيرها أبدًا وكأنما هي من نسيجهِ وليست رداءً..
يومًا ما أخبرني خالُكَ ياصغيري..أن الناس يقولون أن الرجلَ الصامتَ كانَ ضابطَ طيران..وأنه كانُ يحبُّ فتاةً بالحي..وكانت كما كانَ ..
ثم إذا بنارٍ تشب في منزلها ..
والنارُ كانت جوعانة..
والنارُ لم تنتظرهُ إذ كانَ يجاهدُ لينقذها..
ثم النارُ أكلتها ،ولم تبقِ منها ..
والنارُ لم تبقي منهُ ياصغيري غيرَ صلعتهِ الطيبة وبيجامتهِ وبسمةٍ ربما لها..
هكذا هو الرجلُ الذي لم أعرف اسمهُ أبدًا ،رغم رؤيتي له كثيرًا..ورؤيته لي..يومًا سنذهب لنقولَ له :(صباح الفل)..وإن لم يردّ سينظرُ في عيوننا ،وتتسعُ ابتسامته.

هناك 11 تعليقًا:

CoonCan يقول...

يقولون حينما يحترق سوف يتمنى شيئا ليس له معنى ,كأن يصبح مكاناً..
صحراء , وسوف نرى السراب بعيداً جداً ومبللاً ..
لمَ السراب ؟ إنها فضيلته وحسب..

..

مرحباً بعودتك..:)

Mist يقول...

جميل أن أعود فأرى تكملة للحكي من أهل الجمال نفسهم..

لك خالص المودة يافتى

إبراهيم السيد يقول...

gameel
w b too

MAKSOFA يقول...

قصة جميلة جدا تدل علي الأخلاص في الحب والتضحية من اجل الحبيب، ولكن هل مازال هذا النوع من الرجال موجودا

mindonna يقول...

جميل طريقة حكيك للتفاصيل الصغيرة :)

عوليس يقول...

جميل

غير معرف يقول...

من الجميل أن يعود المرء بإرهاصات ذاكرة متشنجة، تبحث بكللٍ عقيم عن الأضواء الخافتة التي أوهجت جزءاً من قلبه ذات يوم..

ابتسامة خافتة، هذا هو المفتاح، وصباح الفل مُخْتَزِلَةُ الحكاية، والطيران رمز الأفق الحالم، أما المتوالية فهو سر النص الأكبر، متوالية الحكاية والزمن والأجيال، حلمٌ يُتوارث بعيداً عن عفونة الدفن ورطوبة قبور الذاكرة التي مُلئت بشواهد الماضي المنتصبة !

لفتة أخيرة : يبدو أنكِ بدأتِ تخضعين يا فتاة لانتقادات العزلة والغموض المتوجة لنصوصك، هذا النص مفتوحٌ على مصراعيه وليس مغلق الهوية كعادتك..

عامةً، لكِ كل التوفيق..

شمشون

شغف يقول...

صباح الفل

غير معرف يقول...

Very good blog keep it up!!

غير معرف يقول...

لم يكن هناك جليدٌ ياصغيري..فقط مطر تتعطر به كل فتاةٍ

بالضبط .. لم يكن هناك جليد
لم يكن هناك جليد.. لم يكن

Bassma يقول...

اتوجعت .. عورني الكلام ..