الثلاثاء، سبتمبر 19، 2006

مكــان




أمام النهرِالُمرصّع بشرائطِ الضوء..عرفناأن المكان أبقى..أن الصمتَ في حضرتهِ مسالمٌ..لايخفي مالايُعلِن،ولا يُعلن إلا مايعرف..ولايدّعي معرفة مايجهل..
قالت صديقتي،أنها تشتاق للمكان قبل الأحبة ..لأن المكان لايتقيد بشئ،ولايقيدك..
أنت حُـرٌّ /متحرر في حضرته ،تتكلم كيف ترغب،فإذا كففتَ لم يؤذِهِ هذا..ويتكلم لو أحببتَ ،ويصمتُ لو أحببت..
تحمله لو أردت أينما أردت..فلا يثْقلُك ،ولا يبعث فيك شكوى..
لايطلب منك أن تهتم به،فهو كفيلٌ بنفسه،ويستطيع التفاهم مع الزمن،فهو لايخشى الموت أو الافتراق..
يذكرُ كلَّ ما مرَّ عليه،ولايشغل باله بالتنسيق بين المتناقضات،ولا بالتدخل إلا بمساحةِ ماتطلب منه..
.
كنتُ أفكرُ أنه ربما كان حب المكانِ مبعثهُ ارتباطُهُ بوجود من أحببت فيه،في ماضٍ أو حاضر..أو لأنه يحررك/يغسلك/يعيدك طفلاً،أو يتقدم بك فتصبح هَرِمًا/يهدهدك..يجعلك إن اجتمعت معه ترى وتسمع وتلمس نفسك التي تتحول ماءً ،وعاؤها المكان..
إلا أن صديقتي أرَتني أن للمكان وجوده..وأنه متمكنٌ صامت..يستخرج منك الأشياء،والاعترافات التي قد تنكرها بصوت عالٍ..ولو تعلمت الانصاتَ له،لما خرجت فارغَ اليدين أبدًا..
.
ربما لذلك كان الأنبياءُ هم أكثر من باحوا للأمكنةِ،وباحت الأمكنةُ لهم،في مراحل التأمل،التي كانت مستمرةً طيلة حياتهم،وإنْ تفرغوا لها في مرحلةٍ ما..
____
يمكنني تجنب الأماكن التي لم أتأكد بعدُ أنها سامحتني،لكني لا أستطيع ذلك مع العزيزين..
رغم أن الأمكنة دومًا ماتسامح ،ربما لا تغضب،فهذه شيم من عرف أنه محدود العمر..بينما من طال عليه الزمن وكان صديقًا،سأم ،وعادت حقائقه هي ما ثبتَ وتكرر ثباته مع الأيامِ..لا ماعَرَضَ منها..
____
ربما لأنني دائرية النمط..فأنا أشتعل وأنطفأُ حسب ما أسديتُ للناسِ وما أسْدَوْا إلي ..
وأنمو وأنتعش عن طريق استطاعتي تقديم شئٍ ما لأحدٍ دون أن يشعر بأي دينٍ يثقلُ كاهلهُ..ولا أتمنى سوى بسمةٍ رضيّة،أو حتى دعوةٍ بظهر الغيب..أو أمنيةٍ سعيدةٍ لايهمُّ أن أعرف عنها شيئًا..
ويثقلني اعتذارٌ لم أوّفهِ حقه لعزيز..لأجل ما اقترفتُ دون أن أقصد.._ما أكثر مالاأقصدُ،ويصيب في ألم!_،ولا أبوح بهذا لأي غرض..
فقط لأنني فهمتُ كيف تجعل صديقتي من تمكنت معزتُهُ فيها بعدحُسْنِ العشرة الطويلة مكانًا..فيبقى الجميلُ،ولايثقل اعتذارٍ أو سوء فهمِ أو تأنيب ضمير موجع العلاقة مع الشخص العزيز الذي أصبح مكانًا..
وكنتُ أظنُّ أن المكانَ عندما يصبحُ حميمًا يُصبحُ شخصًا،لكن ربما لأن الأشخاص متقلّبون،أو متطلباتهم تجبرهم على الابتعاد،أو قد تكونُ ظروفهم أكبر منهم أحيانًا..فصديقتي على حق أن الناسَ من الصعب أن يكونوا أوطانًا،وعلى عدم استحالة ذلك،فقد يتآكل وجودهم لأيٍ من الأسباب التي يمكني التفكير فيها..
وقد تضيقُ عليهم أنفسهم ،أو تحتاجُ إليهم ،فلا يكون بمقدورهم أن تكون هناك مساحةٌ لمواطنٍ مهما كانَ..وعدم قدرتهم قد تكون دائمةً،أو طارئة..وقد تكون ظاهرةً أو خفية..وإن كانت خفية تصارعت مع صاحبها وتجاذبت،حتى ينتصر أو تنتصر..
ولأن الأمور جميعًا بسيطة في أصلها ..والمكانُ يؤمنُ بهذا،فهو لايمانعُ أن يكونَ شخصًا،طالما هناك راحة ومتعة وإضافةٌ بينك وبينه..أو حتى بلا شرط أو قيد ،سوى أن ترغب أنتَ بهذا.
_____
هأنذي مكانٌ..
وأنا هنا لأبثَّ تحرري ،وطلبي لكم لتحرروا..
من أراد أن يبقى فليبقَ..ومن أراد أن يتركَ فليتركَ بلا أي إحساسٍ بدين،أو جميل..
أعلنُ وأثبتّ هذا..ديونكم مرفوعة..وكلٌّ قد قدّم لي ضعف ماقدمتُ ،والشكرُ قصيرُ اليدِ ،ألثغُ اللسان..
وأنا أسامحُ كلَّ من ظنَّ فيّ سوءً،أو أساءَ،أو أذاني بقصد أو بغير قصد..
.
.
حقًا لم أعُدْ أطلبُ شيئًا من أحدٍ..أو ألقي بأمانيّ في بحورهم لأنتظر أن أخرجَ بالعطاءِ..فقد فاضت سلتي مما أخرجتُ منكم من خيرٍ وجمال،
سأحملُ سلتي..فهي تكفي الطريق وتزيد..
وسأحملكم معي،خِفافًا..وإن طرتُ ورحلتُ ،فأنتم معي ،لأننا سنمتزجُ لنكون شيئًا لم يُسمَّ بعدُ..ولا يهمه أن يكون له اسم..
.
.
وعندما أعودُ مجبرةً كشخص،تأكدوا أنني لا أحمل ضغينةً ولا توقعًا ولا انتظارًا يثقلُ أحدًا..
فيكفي مافعلتُ فيكم..
ولقد منحتموني مساحةً أبرح للعفو والعافية..
ليحملني معه من أراد،وليتركني من أراد..وليَعُـد منكم من أراد بعد غياب،دون خشيةِ العتاب..هكذا أكونُ مكانًا..
وهكذا يكونُ التحرر..
.
.
هذا حديثي شهادةً عليّ..
فتصرفوا وِْفقَـهُ ،
وسلامٌ علينــا جميعًا.




هناك تعليق واحد:

Zeryab يقول...

أيوه كده
:))