الأحد، فبراير 18، 2007

الوشم

لا أعرف كيف تجرأت على الذهاب لتلك المرأة لتدق الوشم لي،هنا..قريبًا من قلبي..
أعطيتُها صورةً رديئةً لكَ،صنعتُها من ترابِ الحكايا وماءِ الشوقِ لأصنع بالخليطِ الصلصالِ مايشبهُ عينيكَ مايشبهُ أنفكَ مايشبهُ بسمتك الرضية..
كانت صامتةً تلك المرأة منصتةً،عيناها تبدوان كأنما لا ترفُّ ويُخيّل إليّ –بينما أنهمكُ في حديثي مسرفةً في وصفك لتتحرى الدقةَ عند الرسمِ- أنها لا تراني ،أو أنها تفككت لذراتٍ تذوب فيما أقول..
كنتُ أعرفُ أنها ستسمني بروحك،بعدما سكبتُها في يديها ..
كنتُ أتصاعدُ مع الحكي،مع تشكيل وجهك أمامها،حتى ارتفعَ موجي فشهقتُ ،وكادَ وجهكَ الذي مازالَ طريًا أن يسقطَ من يدي ،فتلقفتهُ قبل أن يفعل ..وهدأتني..جعلتني أتمدد..وأخدت تترنّم حتى رحتُ في نومٍ ليسَ كالنومِ وصحوٍ ليسَ كالصحوِ..
كشفَتْ عن جذعي ..وأحمَت إبرتها في موقدٍ صغيرٍ مُعدٍّ لصنعِ ركوةِ القهوة،ولإشعال بخورِ العودِ،ولمآربَ أخرى..
دقَّت وجهكَ ملمحًا ملمحًا

حشتِ الجروحَ بالكحلِ المخلوط بالعطر المخلوطِ برائحتك..
وارتفعَ صوتها بترانيم من أرضكَ التي أنتَ فيها،تهدهدني ،تستبقيني معك فترةً أطول..
...
ولمّا استفقتُ ،قبّلتَ المرأة العجوز في رأسها..وطرتُ بعيدًا لمنزلنا حيثُ أعودُ مرةً أخرى عاديةً بلا ترانيمَ أو أحلام..
ويُطوَى اليوم بما قبلهُ،ويُوطأُ بما بعده..
وكلما بدا من وجهكَ ملمحٌ في أحدٍ ،برزَ الوشمُ الذي أسفلَ القلبِ قليلاً،وغرقتُ في عرقي،فتتصاعدُ رائحةُ البخورِ العطرِ أنتَ..فأكونُ كالسكرَى..وأنامُ ..أنامُ طويلاً حتى أخفي فعلتي،وأخفيني بالدقاتِ وخطوكَ وتسللي الكثير.
وكلما خِفتُ ارتديتُ من الملابسِ أكثرَ فأكثر..ولونتُ وجهي أكثرَ أكثر..
ثمّ جاءَ اليوم الذي تجرأتُ أن أكشفَ فيهِ عن جذعي لأرى مافعلتُهُ بوجهكَ منذُ زمنٍ بعيدٍ ..
كان الوشمُ أصغرَ،أبرزَ،لكأنما لم يرضَ أن يكون مجردَ وشمٍ ،فأصبحَ ختمًا بارزًا عتيق الرائحةِ..
أصبحتُ ألوذُ بالظلامِ،ففي الظلامِ يغدو تنفسي أقلَّ اضطرابًا ،وفي الظلامِ أتحسسُ الوجهَ/الوشمَ/الختمَ،فتتصاعدُ الرائحةُ،تعبئُ الغرفةُ لكأنما تحيلها بحرًا أغوصُ فيهِ بسهولةٍ ، وتطيرُ حولي الحوادثُ ..الذكرياتُ..ضحكاتكُ..حكاياتكُ ..تنهداتُكَ المؤلمةُ ..ارتجفاتُ البردِ التي لم تكن تستطيعَ له دَفعًا ،والبخارُ الصاعدُ من فمكَ يوم كنتَ وحيدًا في ذاكَ الكوخِ بتلكَ الربوةِ الخضراءِ التي كنتُ أتسللُ إليكَ فيها،فتراني ولا تراني،فتُجَـنُّ ،وتنادي،فأبكي وأضحكُ وأبكي وأضحكُ ،وأنتَ ذاهلٌ ما زلتَ حتى تسكينَ لليقينِ فتنام،أو تدخل رأسكَ في فمِ الشكِ وتنامُ أيضًا..
كنتُ أُجَـنُّ فأنادي اسمكَ بقوةٍ ،فلايخرجُ ،بل ينعكسُ للداخلِ مضغوطًا مُضاعفًا يفتت الصخرَ في جبالي فتتساقطُ عليّ فتدميني،وعلى بحري فيرتفعُ فيغرقني،فأشهقُ أشهقُ حتى أنخلعَ مني..ثمّ أعودُ كميتٍ حيٍّ ،فأنهنهُ باسمكَ بائسًا مرةً ،وطافحًا ببشْرِ الحلولِ والصعودِ مرةً أخرى..
..
أفتحُ عيني لأخفف من وطأةِ حضوركَ قليلاً..
أصبحتُ شيئًا فشيئًا أخافُ من إغلاقِ عينيّ ،
ويومًا فيومًا أصبحتُ أنامُ بنصفِ عينٍ حتى أُمسِكَ بخيطٍ من النورِ وخيطٍ من الظلمةِ،فلا يُغويني أحدهما دون الآخر.
..
وشمُكَ صارَ كما الشامةِ ،ثم استحالَ نقطةً داكنةً، وبينما يدقُّ القلبُ أشعرُ بالملامحِ المخفيةِ كأنما ألمسها،بارزة محسوسة داخلهُ،فأخشى إذا ما مِتُ أن يصبحَ قلبي وجهًا لا يقرأُهُ إلا من وصل.