الأربعاء، أبريل 08، 2009

اصطياد البهجة

(1)

أمس بينما صعدت لصلاة المغرب في ذلك المسجد الكبير،جلست لأرتاح قليلاً،كانت بجواري تصلي وحدها ،شيئًا ما فيها جعلني ألتفت لأمعن النظر في تلك اللمسة الصغيرة التي جعلتها تثير اهتمامي

لو أنك تنتبه ،لوجدت لكل شخص هالة معينة،أو احساس يراودك بخصوصه لأول وهلة،دون كلام،أو فعل بارز،قد تلتقي لمسة معينة ،هفوة لثوانٍ مع شئ معين في ذاكرتك العميقة،فيتُرجم لاحساس خافت أو بارز..شئ كالروائح،يحتاج لوصفه كاتبًا متأملاً أكثر مما أنا الآن.

كانت فَرِحَة.
ملامح لا تخطأها العين للفرح،تُصلي وهر فرحانة.وهي منهمكة تمامًا بما تفعل،هائمة تمامًا في المناجاة،لكأنما تربتُ على كل حرف وكل انثناءة في حضرة الملك الكريم.
لا أعني أنها كانت فرحة من قبل ،وابتسامتها هذه أثر رجعي لهذا،يمكنك فور رؤية وجهها فهم ما أعني،هي تصلي بحب وفرحة.وهي ممتلئة باللحظة.
وهذا مالفت نظري بشدة.

في الحقيقة،لأني لم أره بعيني رأسي خارج الأوصاف في كتب الزهد والرقائق وحكايات الصالحين،إلا لحظتها.
لما أطلتُ النظر،كانت كحبيب اكتشف من يطلع من فُرجة الباب على خُلوته بحبيبه،فكتمَتْ شيئًا من فرحتها العارمة.

أشحت وجهي وأنا بي مسٌّ من الفضول،والسحر،لاختبار هذه التعابير،وللتأكد من تفسيرها الذي فهمته ووصلني بسلاسة ،ودون تحايل..هذه الأشياء تُحس،هذه الأشياء كالروائح تُشم،وينشرح الصدر لشذاها كما ينشرح فورًا لأريج العطر.

عندما التفتُ بعد مقاومة طويلة مني،في احترام خصوصية لحظتها،وجدتها جالسةً تتلو تسابيح مابعد الصلاة،بنفس الشغف واللهفة .
هذه المشاعر التي أعرفها،وأراها في وجوه المحبين ممن يختلسون اللحظات وهم/هن يكلمون أحبابهم على المحمول مثلاً..أو في الأماكن العامة.

يا إلهي،كم غبطتها !
فورًا تمنيتُ أن أكون أنا.

كانت غيرةً بيضاء،نقية. تقريبًا لأول مرةٍ أتذوق مذاقها.
ولو أنك نظرتَ لوجهها،لربما لن تلفت نظرك أبدًا،ستعبرها لما وراءها أو حولها،لكن بالوجه نورٌ..أو فرحة.

ودون أن أعرفها،أدعو بإخلاص أن يظل بقلبها هذا النور،وأن يظل بحضورها هذا النور،الذي منحني لحظةً بكرًا وشعورًا فتح في نفسي طاقة جمال.
---
(2)


كنتُ في الحافلة ،في طريق عودتي للمنزل من الجامعة،بجواري فتاتين أصغر مني كما بدا من طريقتهما .
عند المحطة الخاصة بباب الجامعة فرع البنين،صعد الطلبة ،كانوا جميعًا وقوفًا..منظر قلما يتكرر بهذا النظام،خارج هذا الخط..كل البنات جالسات على الكراسي،وكل البنين واقفين فيما بين صفي الكراسي.

توجد قوانين غير منطوق بها في الحافلات المزدحمة،غالبًا ما يُجلِسُ الشباب البنات،والنساء،وكبار السن،-مثلاً-،والجالس يعرض أن يحمل ما مع الواقف..سواء كانَ حقيبةً ما أو طفلاً..الخ الخ

أحيانًا عندما تسري هذه العملية بسلاسة ،ودون كلام،أو احساس يظهر على فاعل هذه الأنواع من المعروف أنه صنع (معروفًا)..أحس فورًا بالرحمة،مذاق هذا الإحساس كمذاق الآيس كريم بالفانيليا في يوم قائظ.

لكن عندما كفت احدى البنتين عن المرح والثرثرة مع صاحبتها،واستندت برأسها على ظهر الكرسي المقابل بتعب مفاجئ،لم أعرف بالضبط ماذا أفعل. وانتباني هاجس خفي شديد الشخصية بالمسئولية منذ التحاقي بدورة اسعافات أولية خرجت بعدها بإحساس مترقب لمدى فعاليتي في المساعدة بما أعرفه أكثر قليلاً من بعض من حولي.

الفتى الواقف بجوارنا،لم يُوقف ثرثرته مع صاحبه،أخرج من جيبه حلوى،أو علكة،وناولها إياها ،فأخذتها منه بتلقائية.
لاهو وجّهَ لها حديثًا،ولا هي وجّهَت له شكرًا.
هو واصلَ الحديث مع صاحبه،وهي كانت تتكلم مع صاحبتها بصوت خافت.

واصلتُ اختلاس النظر إليه،فلم أجده يختلس النظر للفتاة أو لصاحبتها،ولم يكن في فعله التلقائي أي محاولة لإثارة الإعجاب به،أو محاولة النظر لها لمعرفة رد فعلها من باب الفضول.

هذه السلاسة في فعل الخير،تأسرني. تُعطر لحظتي.


---
(3)

كنتُ مع أُختي،وبنت عمتي،نتمشى في روكسي..وكان الوقتُ متأخرًا،المحالُّ أغلقت أبوابها وأنوارها.
في نهاية الممر،كانَت كومة بشرية تظهر تفاصيلها كلما اقتربنا،تحت شعاعات خافتة تصل من أضواء الشارع على الطرف الآخر من الممر الذي نمشي فيه.

توقعتُ أن يكونَ أحدَ المساكين الذين يلتحفون الشارع،وبجوارهم كل متاعهم المتسخ غالبًا من هذه الدنيا.
مع اقترابي،ظهرت ملامح الصندوق المميز لمُلَمعي الأحذية،وجدتُه متكومًا على شئ في يده،الرجلُ العجوزُ ذو اللحية البيضاء،والوجه النظيف،لأجده مع خطواتي بجواره،متجهًا بكليته يقرأ بصوت خافت مسموع من نسخة صغيرة من القرآن ،واضعًا اياها في حضرة آخر شعاعات نور الشارع،ومائلاً بجسده كله ناحيته،وبجواره صندوقه.

فورًا،جاء في ذهني قول الحبيب محمد:" لربما رجلٌ أشعثٌ،أغبر،لو أقسم على الله لأبرّه."

الآن أذكر الأعرابي،الذي كان يقول عن الله -عز وجل-: "لئن سألني عن عملي ،لأسألنه عن رحمته".وأبتسمُ .

 

هناك 5 تعليقات:

77Math. يقول...

هذه السلاسة في فعل الخير،تأسرني. تُعطر لحظتي

أعجز عن الرد بأكثر مما قلتِ

:)

غير معرف يقول...

بهيج

Mist يقول...

إيمان،
لطالما أحببتُ توافقنا.
--
مُنير

ياشيخ غوما :)

Nour يقول...

..جميلة قوي قوي يا سديم
ماتطوليش الغيبة تاني بقى
:)

شــغــف يقول...

عارفه يا سيرين .. لوهلة دمعت .. تخيلى انى نسيت الانسانية ..

وحشتينى يا سيرينا كنوع من طلة الانسانية