الخميس، مارس 25، 2010

لا ينتهي شئ إلا ليبدأ آخر

(1)
لا تنتهي حياة إلا لتبدأ أخرى.
أقامت صديقة لي حفل عيد ميلاد لابنها الصغير في بيت والدتها،وكان حفلاً عائليًا صغيرًا.
في الصباح التالي كانت توقظ أختها الصغرى (20 عامًا) التي لم تستيقظ لانتهاء عمرها على الأرض.

عرفتُ متأخرًا جدًا (بعد شهر)،كذا صديقاتي عرفن متأخرًا. تجمعنا،وذهبنا بعد حوار ارتأت فيه احدانا أن الذهاب بعد هذه المدة قد يجدد الأحزان التي بدأت تلتئم.
لما ذهبنا،كان الجلوس والوجوم كأن الموت بالأمس.
كنت جالسة في المنتصف،مغطية وجهي لم أكشفهُ.مُحرجَة جدًا،كالطفلة،بالفعل كنتُ أود أن يقول لي أحد في أذني ماذا يمكن أن أفعل أو أقول لأخفف من هذا الحزن،وهذه الفاجعة.

(2)

دخل علينا أبي ذات يوم ،وكان تائه النظرة،مندهشًا.
أجابني أنه رأى موقفًا لتوه . كان أمام باب المستشفى،سيدة (غلبانة) وابنتها،يظهر عليهما أنه لا سَنَد لهما إلا الله.
-سندني يا ابني..
أراح ذراع ابنتها الشابة التي كانت العجوز تتوكأ عليها،ليدخلها سيارة الأجرة التي ستقلها لمدينتها أو قريتها.
مالبثت الأم أن استقرت في جلستها ليسقط رأسها، بعد أن غادرت روحها الجسد ،بجوار ابنتها التي لم تدخل السيارة بعد،والتي لم تنطق بكلمة.

(3)

أحد الصباحات،هاتف مفاجئ (عمتو ليلى) ماتت. لأجد نفسي في أقل من ساعة في غرفة ملحقة بالمستشفى بينما يغسلونها.
لم أستطع أن أقترب أكثر من موضعي أمام قدميها .الجسد المتعب الذي كان ينتقل من مرض لمرض،الذي دوّخ صاحبته. مسجىً هكذا.

الجمال الصارخ لهذا الوجه كوجه فنانات الستينات،صامت،وبارد.
والابنة الكبرى التي تقاوم بكائها بضراوة ،ولا تستطيع،فتكتم صوتها قدر ماتستطيع.

وأنا أنكمشُ وأنكمش..داخل نفسي،أرجو أن أسحق وجودي المادي الواقف بلا حيلة هكذا..ومَن ذا صاحب الحيلة تجاه الموت؟

(4)

أمشي وأقول (الله يرحمك يا ....) كلما رأيت من يشبهه في الشكل،أو طريقة المشية..للرجل الذي يكبرني بعام واحد فقط،للذي مات وترك يتيمةً لم تكمل العام في الدنيا.
وفي كل مرة أترحم، أتعجب..هل بالفعل يصيبه ترحمي؟ أم أنه يعنيني أنا أكثر؟
هل توجد طريقة توصل للميت السلام -كما نوصله للحبيب محمد فيرد علينا- أم ماذا؟

في كل مرة أترحم فيها على جدتي ،أبتسم أو أصمت بعد أن أسقط في بئر أغرق فيه بالأسئلة،أو أطير فوقه لأني لا أملك طيلة الوقت مقدرة على الخروج من غرقي سالمة.

الموت. هذه الكلمة المعبرة عن انقطاع تام لكل وجودك في هذه الدنيا،الحاضرة،التي بسهولة شديدة ننساها يوميًا.
لا أريد أن أستطرد في أنواع الموت التي تستخدم اللفظة كاستعارة تشبيهية أو مكنية. أنا أعني الموت الذي على إثره تُدفن أجسامنا.

لعدة أسباب، أجدني لا أستطيع تصديق الأمور والأخبار بسهولة-هذا لايعني أنني أشك في كل مايُقال وما أقرأ وما أرى..وإنما يعني أنني فقط أصبحتُ أميل لفكرة النسبية في كل شئ -وهذا يمكن أن يكون جحيمًا أحيانًا-.
ربما لأنه بالفعل كل شئ (أو أكثر والأعم من الأشياء نسبي).بالتالي مايُقال هذا جزء من الصدق،وجزء من الحقيقة..

الولع بالنظرة الكلية،يفوق قدراتي كثيرًا..من الناحية البيولوجية والتركيبية على الأقل. ربما العقل بالتدريب وطول المراس يتمدد ويوسع نظرته،لكن أبدًا أنا محكومة كإنسان يعيش فوق نقطة زرقاء من الكون .

لكن بعيد عن هذا التضاؤل التأملي..(الموت) وحده حدٌّ كافٍ لي،لإعادة النظر في الأمور.
ليس الموت مرعبًا جدًا لي بحد ذاته. بالطبع أحيانًا أخاف. لكن أخاف من توابع معينة له..مثل ماذا لو كنت مخطئة برأي دافعتُ طيلة حياتي عنه؟
هل سأشعر بوطأة الوقت في البرزخ الذي قبل الحساب؟ هل ستمر أحداث البعث والنشور سريعًا كدفقة من الطاقة في عقلي؟
كيف سيكون شعوري وأنا أنبت من الأرض كبذرة !؟
ماذا لو كان الفراغ؟..لربما كان الفراغ هو العذاب..أعاذنا الله منه. وطمأننا.

(5)

جزء عميق في نفسي،يطمئن لفكرة الإله-الله القوي الكريم-.ويستند،فأنام.
عدا هذا مالذي يمكنني أن أفعل في الخوف والعجز سوى إغماض العين بقوة،والتقدم للأمام لفعل مايجب أن أفعل؟

هناك 3 تعليقات:

محمود سعيد يقول...

الموت بالنسبة للحاضرين ما هو إلا غياب
فهو كما يقول درويش : " حضرة الغياب "

لكنه فى نفس الوقت بالنسبة ﻷولئك الغائبين .. حضور فى مكان آخر

فى البرزخ ..أو فى ذاكرة الحاضرين ...... أو ربما فى العدم

Mist يقول...

أعجبني تعبير "حضرة الغياب" الذي لم يرد في ذهني حتى ذكرتني به..

حضورك طيب يا محمود:)،شكرًا.

77Math. يقول...

تشبهيني تشبهيني حتى في الحديث عن الموت !