السبت، مارس 19، 2011

تجربة أولى استفتاء

مدرسة الشهيد مصطفى حافظ

تبعد عن منزلنا دقيقتين تقريبًا، أمر عليها منذ قرابة العشر سنوات، وأدخلها لأول مرة..الجيش والأمن في الخارج، يقوم بحماية غير متطفلة ولا متسلطة..أول تحقيق عملي أراه لمعنى إشراف أمني..لا تهديد ولا إجبار، ولم تحدث مناوشات ومنع دخول مواطنين كما تعودت أن أسمع من منع جدي مثلاً لأسباب سياسية. ولم يحدث محاولة جدية لحشد الناس مع نعم أو لا..سمعت مرشح الإخوان في منطقتنا من فترتين وهو يتحدث في الهاتف ويقول إن عدد "نعم" كبير، "ولا" كبير..

سيدة تتهلل بشرًا وبصوت عالي "ده أنتوا منورين والله..منورين"..موجهةً كلامها لأفراد الشرطة الواقفة على باب المدرسة، فيبتسم الشرطي..وأبتسم أنا لهذا الحنان الطبيعي..الترضية البسيطة لأمر بديهي..أم تحيي فردًا مسئولاً عن حماية أبناءها، ويساعد في تنظيم حياتها..دون تعقيدات كثيرة..(الأمهات كن يمنعن الأبناء عن الذهاب للمدرسة خوفًا عليهم من الاختطاف..إلى أن عادت الشرطة تدريجيًا مع وجود الجيش، وستعود الأمور لطبيعتها بإذن الله).
هناك فهم واستيعاب البسطاء للمصالح المتبادلة، وهناك تفهم في التعامل المباشر بعيد عن التعميمات.

لتوها عادت أختي سلمى من تجربة الادلاء بصوتها في الاستفتاء، كنت قد سبقتها وسبقتنا والدتي صباحًا الساعة الثامنة مع جارتنا ربة المنزل ذات العالم الصغير المقتصر على بناتها الأربع الصغار (كبراهن 11 سنة).

الكل بلا استثناء مستبشر، متهلل الوجه، كأنه عائد من حفلة.
تحكي لي أختي أنها تأثرت بمشهد رجل ملتحٍ باكٍ بعد أن أدلى بصوته.

الساعة الآن الخامسة والنصف عصرًا، ومازالت الطوابير طويلة في أدوار المدرسة الثلاثة..التعامل راقٍ..المناقشات جارية، كل الناس الذين تراهم في الشارع، الأمي والمتعلم، المسنين والشباب، الأمهات بأطفالهن..سيدة كبيرة في السن، بسيطة الملبس لأقصى حد، محددة الرأي تسأل وتستفسر أمامي في الطابور عن الورقة و ماذا تعني الألوان ..أخبرتها المشرفة باللجنة على أن الأخضر يعني الموافقة، والأسود غير عدم الموافقة..

أمامي في الطابور أيضًا سيدة لم أعجبها لأنني كنت أتناقش مع من يؤيدون الموافقة على التعديلات، أخذت تحدق في وتقول "نعم" "نعم"، وتنظر بطرف عينها مشيرة للسيدة المسيحية اللطيفة التي خلفي والتي كانت توافقني الرأي..فأخبرتها وأنا أنظر لعينيها : "مش شرط على فكرة"..انضمت لنا سيدة منتقبة ترتدي الأسود وقالت: " أنا لا على فكرة..برضو"..ابتسمت وأنا أرى السيدة التي أمامي تكظم غيظها وتشيح بوجهها عنا، وصوت السيدة اللطيفة مع سيدات في عمر أمي " يا جماعة كل واحد يقول اللي يحبه، المهم إننا نشارك"..

كان شيئًا عظيمًا..كل هذا التكسير في الأنماط أعجبني..كل هذه الحيوية..حتى جارنا الذي تقول الشائعات أنه يتورط في بيع مخدرات من فترة للثانية رأيته سبقني للتصويت..حتى الذين أتعامل معهم من بائعين، مدير الحضانة، حراس العمارات، الشيخ جاد، الكوافيرة..

لم يكن شيئًا عظيمًا لأنها شيء غير تقليدي وفقط، بل شيئًا عظيمًا لأنها كيقظة مارد..لأنها حركة حب للبلد..حركة حياة، دورة دموية طبيعية دون جلطات..

هذا الشيء التقليدي الذي في طريقه أن يكون تقليدًا..هذه التجربة الأولى.
كان معنا سيدة بادية القلق..من حين لآخر تبدي عدم ثقتها ..إلى أن هدأت مع أصواتنا ونحن نخبرها أن الأمور تغيرت بالفعل، وأننا لم نكن نأبه للأمر قبلاً..لأنها كانت "تُطبخ" وأصواتنا لا ضرورة لها.

وربما لأجل شائعة صغيرة تفيد بأنه من الممكن أن يكون القلم الذي توقع به في اللجنة ذو حبر سري يختفي بعد ساعتين، وحتمًا لأجل الحذر النابع من اعتزاز كل شخص أتى بأنه سيدلي بصوته، وهو قادر على حماية حقه..ستلاحظ أن أغلب الواقفين في الطابور معه بطاقته وقلم يكتب يضع به العلامة العزيزة..ومن نسي يأخذ من أحد الواقفين ..

الاختلافات التي لم تفسد في الود أي قضية في منزلي، والنقاشات المازحة، وحتى تكشيرة السيدة التي أمامي من رأيي، إصرار البنت الهادئة على إقناعي بتغيير رأيي وأنا على باب اللجنة إلى أن جاء دوري فتختم كلامها "وكل واحد حر في رأيه" مبتسمة، التعامل الراقي الذي قوبلت به..الخصوصية بينما أوقع وراء ستار، وأبتسم للقلم المتوفر من قبل اللجنة المنتظر شخصًا يحتاجه..الوجوه الذي تدخل وعليها مسحة الجد وتخرج وعليها مسحة البشر..ثم أخيرًا خبر صغير يفيد بتصدي مواطنين لمسئول كبير رفض الوقوف في الطابور، بينما يسجل احترام مسئولين آخرين للمساواة والالتزام في الطابور..كل هذا جعل يومي تاريخيًا.

ليست هناك تعليقات: