السبت، مايو 07، 2011

من فضلكم، لا تتدخلوا


كتب  محمد من ليبيا مقالاً ثانيًا في صحيفة الجارديان بتاريخ الأول من مارس، ترجمته مشكورةً الصديقة: سلمى الديب.



ليبيا متحدةٌ في الثورة الشعبية ، من فضلكم لا تتدخّلوا 
نحن نرحب بمنطقة حظر الطيران ، لكن دماء شهداء ليبيا ستذهب هَباءًا إذا أصاب الغرب ثورتنا بلعنة التدخّل الفاشل .
_______________________________________________

" قبّلوا أمي وداعًا لأجلي ، و أخبروها أن ابنها قد مات بطلاً " قالها صديقي أحمد ، 26 عامًا ، لأول من هرع لجواره بعد أن تلقّى رصاصة في شوارع طرابلس .
بعد يومين توفيَ صديقي أحمد في المستشفى ، فقط هكذا.

هذا الشاب طويل القامة ، وسيم الملامح ، خفيف الظل ، الفطن لن يكون بعد الأن. لن يجيب على مكالماتي الهاتفية بعد الآن ، و لسوف يتوقف الزمن على حساب الفيس بوك خاصته للأبد. 
هاتفتُ أحمد قبيل إصابته بساعة ، و بدا في أفضل حالاته. أخبرني أنه كان في الساحة الخضراء في قلب طرابلس ، و أننا أحرار. ثم تشوّش الاتصال مما يعني أنني لم أكن لأستطع الاتصال به ثانية قبل يومين كاملين. 
كان هذا عندما اتصلتُ بصديق أحمد المُقرَّب ، و الذي نقل إليَّ الخبر الصاعق. أخبرني أنهم على وشكِ مواراته التراب. هرعتُ إلى المقابر ، و وصلتُ بعدما واروه التراب مباشرة. قابلتُ بعضًا من أصدقائنا ، أشاروا إلى بقعة من الأرض و أخبروني أنها حيث يرقد جثمان أحمد. عانقنا بعضنا البعض ، و بكينا حتى كادت قلوبنا أن تتوقف. 
هذا النوع من القصص هو ما تتلقّاه من طرابلس هذه الأيام. المئات منها و ربما حتى الآلاف ، تلك القصص التي لم تكن لتتخيل أبدًا أن تحدث على عتبة دارك. 
كأن تسمع عن أن رضيعًا يبلغ من العمر ستة أشهر قد قتل ، و قتها تتمنى من كل قلبك أن تصحّ إدّعاءات "سيف الإسلام القذافي" بأن هناك القليل جدًا من العنف ، و أن قناة الجزيرة قد اختلقت القصة . تتمنى أن هذا الرضيع يغفو الآن في سلامٍ بين ذراعي أمه . كأن تسمع عن أن أحدهم في تاجوراء قد تلقّى رصاصة ظلّت في رأسه لمدة يومين قبل أن يتوفّى ، مُخَلِّفًا وراءه زوجة ثكلى و طفل صغير . و قد كنتَ تدعو الله أن يكون هذا الأب هناك يلعب مع ابنه. لكن الصور و مقاطع الفيديو تظهر لك الحقيقة الباردة. النواح الذي لا يحتاج لترجمة: الأحباب تنتزعهم براثن الموت. البشرية كلها تفهم تلك الصرخة. 
هكذا أصبحت الحياة في طرابلس منذ فترة. و لهذا أطلق عليها قاطنوها - الذين أصابهم اليأس لرؤيتهم فرار المتظاهرين من الغاز المسيل للدموع - لقب "مدينة الأشباح". تباطأت مظاهر الحياة في المدينة حتى توقفت تمامًا ، حيث أغلقت الغالبية العظمى من المحال التجارية أبوابها و توقفت المدارس و الجامعات عن العمل. فقط بضعة محال تجارية تبيع الاحتياجات الأساسية ظلت فاتحةً أبوابها ، و حتى هذه تفتح فقط لبضعة ساعات كل يوم. 
و لكن على الرغم من هذه الصورة القاتمة لطرابلس ، إلا أن معنويات الناس مازالت مرتفعة كما أن لديهم يقين بأننا نشهد اللحظات الأخيرة لنظام القذافي. لم يعد هذا الرجل يحكم ليبيا ؛ إن هو إلا رجل يحمل بندقية موجهةً نحو الشعب.
خطابيه و خطاب ابنه من قبلهما لم يكونوا سوى تهديدات ، و جميعها أتت بنتائج عكسية لصالح الثورة الليبية. فخرجت القبائل الليبية من الشرق للغرب لتؤكد الوحدة الوطنية بينها. 
و على الصعيد الخارجي ليس سجله بأفضل حالاً ، أراد القذافي إثارة ذعر العالم الغربي بتهديده المزعوم بإمارة إسلامية. أجابه المجتمع الدولي بمنعه من السفر خارج البلاد و تجميد أصوله المالية و بتحويل جرائم نظامه إلى محكمة العدل الدولية بشبه إجماع دولي لم يسبق له مثيل. 
كل الليبيون ، حتى الأقلية الموالية للقذافي ، يؤمنون بأنها مسألة وقت فقط حتى تستعيد ليبيا حريتها. و لكن يبقى السؤال المفزع: كم من الشهداء سيسقطون قبل أن يسقط القذافي؟ و كم روحًا سينتزع قبل أن تنكسر اللعنة؟ 
غير أن هذه النهاية السعيدة يشوبها خوف يتشاطره جميع الليبيون من تدخل عسكري غربي محتمل لإنهاء الأزمة. 
لا تسئ فهمي ، فأنا – كمعظم الليبيين – أرى أن فرض منطقة حظر جوي سيكون وسيلة جيدة لتوجيه ضربة قاصمة للنظام على عدة مستويات ؛ سيقطع الطريق على قوافل المرتزقة التي يتم استدعاؤها من أفريقيا ؛ و سيمنع القذافي من تهريب الأموال و الممتلكات الأخرى؛ و الأهم أنه سيمنع النظام من القصف بترسانات أسلحة اتفق العديد من شهود العيان على احتوائها على أسلحة كيميائية؛ الأمر الذي من شأنه أن يطلق عنان كارثة لا يمكن حتى تخيلها ؛ ناهيك عن أن طائراته قد تحمل بالفعل مثل هذه الأسلحة. 
و على الرغم من ذلك ، يبدو أن شيئًا واحدًا قد وحّد بين الليبيين على اختلاف مشاربهم ، و هو أن أي تدخل عسكري على الأرض من قِبَل أي قوة أجنبية سيُواجَه –كما قال مصطفى عبد الجليل ، وزير العدل السابق و رئيس الحكومة المؤقتة التي شكّلتها المقاومة- بقتالٍ أكثر شراسة بكثير مما قام به المرتزقة أنفسهم.
و لا أؤيد إمكانية توجيه ضربة جوية محدودة لأهدافٍ بعينها. هذه ثورة شعبية تمامًا، كان وقودها دماء الشعب الليبي. حارب الليبيون وحدهم بينما كانت الدول الغربية منشغلة بتجاهل ثورتهم في البداية خوفًا على مصالحها في ليبيا. و لهذا السبب أودّ أن تنتهي الثورة بأيدي هؤلاء الذين بدأوها: شعب ليبيا. 
بينما تتزايد النداءات بتدخل أجنبي، فإنني أوجّه رسالة لزعماء الغرب: أوباما، كاميرون ، و ساركوزي. هذه فرصة لا تقدّر بثمن قد سقطت في أحضانكم، هذه فرصتكم لتحسين صورتكم في عيون العرب و المسلمين. فلا تفسدوها. كل خططكم السابقة للتقريب بين الشرق و الغرب قد مُنيت بالفشل ، بل إن بعضها جعل الأمور أكثر سوءًا. لا تبدأوا شيئًا لا يمكنكم إنهاؤه، لا تحوّلوا ثورة شعب نقية إلى لعنة ستلحق الجميع. و لا تضيعوا دماء صديقي أحمد التي سُفكت لأجلي. 
دعونا فقط نحيا كجيران على نفس الكوكب. من يدري ، فلربما ظهرتُ يومًا على عتبة دارك –باعتباري جارك- لأصافحك بكل سعادة. 

هناك تعليق واحد:

Me يقول...

بل كل الشكر لكِ يا عزيزتي ، و سيبقى دومًا شكري موصولاً لكِ ..