الأربعاء، مايو 31، 2023

18

 وجود ابنتي في حياتي فارق في استمراري في محاولات التحسن كلما أغرقتني نفسي في الأسى، أو كلما واجهت عيوب نفسي الكبيرة. 

إن رأيتُ من نفسي قُبحًا، أردت أن أمحو هذا القبح، وأستبدله بجمال لأجلها؛ لأنها روح جديرة بكل جميل. وإن رأيت مرضًا في قلبي أردتُ أن أتعافى لأجلها على الأقل، فما ذنب هذه الطفلة في كل هذا؟

كذلك الأمر مع زوجي رفيق حياتي وأفضل اختيار وفقني الله له في رحلتي. أتعلم كل يوم معه أن أتعامل مع اختلاف نظرتنا للحياة. نتوافق في الوجهة، وفي نقاط أساسية مهمة في حياتنا اتفقنا عليها قبل الزواج.

أهم ما يدفعنا للاستمرار معًا، هو المساحة التي يرعاها كل منا للآخر لينمو، ويتطور، ويصحح أخطاءه.


عرفت الحب والتعلق بأشخاص ظننتُ أن روحي ستُنزع لو لم أكن معهم أو في محيطهم. لم يكن الأمر معه هكذا. 

كان قبولًا وراحة من أول لقاء. أحببتُ ابتسامته وحماسته وإخلاصه. أحببتُ فيه معرفته لحدود نفسه وتقديره لها، وأردتُ أن أتعلم هذا -لا زلت أتعلم-.

وضعنا شروطًا بسيطة وقليلة للعلاقة بيننا، واتفقنا أن ما بيننا من حب هو نبتة بحاجة لرعاية، فسقيناها كل يوم. وكأي علاقة حية يصيبها ما يصيب الأحياء من تقلب وصحة ومرض. ليس غيرالسقاية المنتظمة، والثقة، والصبر والاحترام يجعلها تعود نضرة.


تعاملتُ مع خوفي من العلاقات بتثبيت فكرة أننا أحرار سويًا، إن انتهى الحب أو انتهت الثقة أو توقفت الرعاية من أحدنا لما بيننا، فليمض كلّ منا في طريقه بسلام. لذا فكل ما يحدث إن ساءت الأمور بيننا أن نحاول إصلاحها، وأن ننتبه ألا نقول أو نفعل ما لا رجوع فيه. 

***

طبيعة شخصيتي نارية بعض الشيء، أتحمس لما أحب جدًا، وأغضب فجأة، ودومًا أكتمه ثم أنفجر-أتمنى أن أهدأ بنفس السرعة-. إلا أني ألين لكل جميل وطيب وحقيقي في هذه الحياة. 

أتعرف على نفسي من جديد هذه الفترة. بعد أن تعلمتُ شيئًا أو شيئين عن كيف أحكي حكايتي الشخصية. فوجئتُ بأن معرفتي بتاريخي الشخصي يجعلني أنتبه للأنماط المتكررة لأخطائي.

تعلمت من كتب التربية أنه من المهم جدًا أن يتعلم الطفل كيف يحكي حكايته، ليعرف مشاعره ويتعامل معها، وكيف ينظمها. عندما قرأت هذه النقطة تحديدًا عرفت فورًا أني من يجب أن أتعلمها وأتقنها قبل أن أعلمها ابنتي -لأنها ستتعلم بالمحاكاة والمعايشة أكثر بكثير من تعلمها بالكلام المباشرمني أو من أبيها-.

أنا لم أحكِ لنفسي حكايتي بوضوح، لم أدعها تتألم وقت احتاجت أن تتألم، أو تشتكي وقت احتاجت التشكي. تمسكت ببعض الأفكار عن الصلابة والقوة الشخصية المغلوطة التي تقتضي التعالي على الألم، والحزن أو الاستعجال عليه قبل أن يمر -لأن هناك أشياء أهم، والحياة لا تنتظر أحدًا، وبلاءك لا شيء أمام بلاءات الآخرين... إلخ-. أضف لذلك فكرة عدم التشكي، التي تمنعني من الحكي لأقرب المقربين، باللإضافة لتذكيري الدائم لنفسي: لا تكوني عبئًا على أحد. 

قد تكون كل هذه الأفكار وجيهة، أو متأثرة بتجاربي الشخصية، لكن المهم أنها ليست كلها مفيدة. الآن أرى أنها ضرتني كثيرًا، بعد أن وجدتني أخطأ خطأ من المفترض أني تجاوزته منذ أكثر من عشر سنوات مثلا.

 كل شيء في الحياة بميزان، سأعرف (عدلة الميزان) أو التوازن بالتجربة وباستيعاب الدروس. وكوني كررت فعلًا تجاوزته منذ زمن بعيد يعني أني لم أستوعب الدرس جيدًا. لم أعرف حدودي جيدًا، ولم أثق بنقاط قوتي، أو أعرف نقاط ضعفي وأحترمها كفاية.

واستيعاب الدروس الحياتية سيأتي من حكيي لنفسي الحكايات بوضوح وصدق، ومن ثم أستطيع النظر إليها، وإدراك طريقتي وأنماطي المتكررة، وقوتي وضعفي. وقتها أستطيع تغيير أفكاري بعد أن وضحت وإعادة الدفة لفعل ما أريد فعله بحق.

ثم الصبر، والتصبر حتى الوصول للصبر على كل هذا.

ثم العفو والمغفرة، بدلًا من جلد الذات الغارق في الماضي، المعطل للحاضر، المضيع للحظات يمكن استثمارها في ما هو خير، أو على الأقل تضييع سلام نحن أولى به. 


فالحمدلله على الأيام الجديدة نحاول فيها حتى ننجح بإذن الله.

ليست هناك تعليقات: