الاثنين، سبتمبر 29، 2025

عزيزي بول أوستر


قرأتُ لشخص يكتب ما ذكرني بنفسي منذ عامين. لم أتحمل العودة لحال الأسى والرثاء، فأغلقت الصفحة، وجئت هنا لأخبرك.
 
يكتب في مكان هو كساحةٍ فارغة يصرخ فيها، كمن سقط في هوة عميقة معتمة، يزحف زحفًا ليخرج منها للنور، أو ربما يسمعه أحد فيمد له حبلًا. 
لم أجرؤ أن أتفاعل بأي شيء. أقرأ في صمت وأدعو له ولي ولكل المُتعبين.
وأرى موضع خطواتي الآن، ومكاني في العالم. وأحمد الله.
 
نعم. نحن كائنات توحدنا الهشاشة.
لحظات كهذه هي ما تربطني بالإنسانية. لا أملك إلا التأثر بالكتابة الصادقة. تعرفها لأنها تربطك بلحظاتك، أو تنقلك للحظات عشتها فعلا، فتعيد لك مشاعر تلك اللحظات نفسها. وإن لم تعشها فهي تدخلك العالم الذي لك فيه مكان. تَعرِف وتُعرَف.
 
عالم تحاول فيه أن تقاوم شعور التيه والحيرة والفقد والأسى، ولديك بقية طاقة لتكتب ما تشعر به، وما يدور ببالك، وتنشره، ليقرأه شخص ما مارّ بالصدفة، أو باحث عمن يشاركه هشاشته دون أن تعقيد الأمور بعلاقات حقيقية قد تربكك أكثر. هذه وظيفة الكاتب والكتاب ربما: نقل المعارف، والتجارب، والخبرات بكل أنواعها. وضع تفسيرات ما، معاني ما مُحتملة لكل هذه التفاعلات مع الحياة.
 
ورغم كل هذا، فلا شيء يعوض العلاقات الحقيقية بكل أنواعها. فيها وبها نتشكل وننمو ونختبر الحياة. 
 ***

يقول أستاذي: أنتِ موهوبة، مشكلتك أنك لا تثقين في نفسك. 
ولا أجد حلًا لهذا.  
 
***
هذا الشهر انشغلت للغاية بكتاب لصديق يستلهم فلسفة (سيمون فاي Simone Weil). وانغمست في بحث مضني طال أيامًا فعلًا. بحث عن إجابات لكل ما لم أفهم، وما أعترض عليه. كان الهدف في البداية أن أخبره رأيي، ونتحدث حول الكتاب. وانقلب الأمر بحثًا عميقًا لأن عدم الوضوح يستفزني. ليس هذا غريبا علي. الغريب فقط أني تعبت أخيرًا بعد قرابة الأسبوع من كتابة الملاحظات والبحث، والقراءة. تعلمت الكثير عن (فاي) نفسها، بدأت أقرأ لها وعنها، وتعلمت عن آخرين في الطريق مثل توماس الإكويني، ومفاهيم كثيرة في الفلسفة، أو أدوات تحليل الخطاب، بل دفعني دفعًا لقراءة محمد عبدالله دراز (كتابه/ورقته البحثية عن الدين، وكتابه/رسالة الدكتوراة عن دستور الأخلاق في القرآن).

كل هذا الحماس والنشاط لأني استعدت شيئًا من سعادة أن يكون لك أصدقاء تتشاركون أفكارًا، وتأملون في الخير والحق والجمال.
***
 
يقول أستاذي: مشكلتك إنك عايزة تبقي زي الناس. وإنتي مختلفة.
ويقول: مشكلتك إنك بتصدقي كل حاجة، وبتاخدي كل حاجة جد.
ويقول: مش هايقبلوكي ومش عايزينك، ما تدوريش على القبول.
 
لماذا لا أرى ما يرى؟ لماذا أنجذب لأي أمل مستحيل كانجذاب الفراش للضوء؟
يبدو كل شيء أريده بعيد المنال، غير متحقق.
 
الفكرة أني كلما اجتهدت بشدة للحصول على شيء، أزهد فيه إذا وصلت.
أبسط مثال: بعض الكتب التي تحمست كثيرًا للحصول عليها، تجلس في الرف عندما أحصل عليها فعلا. لماذا؟
***
 
أستيقظ في بعض الصباحات وأنا أعرف تمامًا ما سأفعله. بعد القيام بواجبات اليوم، سأقلل المشتتات: أغلق حسابات التواصل، ويصير الانترنت للبحث فقط وربما اليوتيوب. 
سأكتفي بشيء من قراءة وكتابة، وربما بعض الأفلام. أليس هذا جميلًا؟ يغمرني هدوء ثم أنسحب من هذا العزم ولا أفعل. لذا فأنا أغبط من ينسحب من هذا السيرك الذي نعيش فيه بأيدينا.
 ***
 
عزيزي بول، كل شيء صعب الآن. ربما سيكون سهلا غدًا، نصبر ونتصبر. الكتابة المتناثرة ستتماسك وتُفهم. يومًا ما. 

ليست هناك تعليقات: