ســديـم
لا يَعيـبُ الحياةَ تقَـلّـبُهَا
الجمعة، مارس 21، 2025
محطة القطار السرية*
الثلاثاء، يناير 14، 2025
الخوف من الفقد
أظن أن أكثر ما يعطلني شخصيًا عن الوصول لهدف ذو معنى في حياتي حاليًا هو الخوف من الفقد، واستعجال النتائج. بالإضافة لصعوبة إفلاتي من التوقعات المثالية أو تطلبها.
أجد نفسي إما مُحبطة لأني لم أحقق النتيجة المرجوة حسب تصور منمق أرغب بشدة الوصول إليه، أو أتلكأ في أن أبدأ الفعل، أو أملّ بسرعة مقررة أن الأمر لا يستحق هذا التعب.
لاحظتُ أني أُنتج وسط مجموعة أو بالتزام أجبر نفسي عليه بشكل أو آخر، مثل التحاقي بورشة ما لمدة محددة، أو اشتراكي مع متخصص أو مجموعة لفترة محددة. ورغم أني أسعد بحصولي على نتيجة ما بهذه الطرق، إلا أني أدخل في دوامة غريبة بعدها. بعد انتهاء الضغط أستشعر الحرية، وأعطي نفسي مبررًا للغرق في المُلهيات بعيدًا عما أريد تحقيقه.
أريد أن أغير هذا الأمر لنمط أكثر استقرارًا ومتانة بحيث أصل لما أريده فعلًا بدل التمني. أو على الأقل أن أعيش تجربة متكاملة متصلة تمنحني نتيجة يعول عليها بعد ذلك في القرار أن أستمر أو أتوقف عن السعي في طريق ما.
ربما يساعد أن ألا أُحمّل الأفعال حمولة عاطفية تعطلني، أو أحبسها في توقعات مثالية.
أحب أن أتذكر تجربتي في تعلم السباحة مثلا. من بدايته وأثناء تعلمي، كنت لا أصبر على جسمي في عدم إتقانه للحركات، أغضب وأضيق بنفسي ويدفعني ذلك للمحاولة أكثر، لكنه لا يمنحني أي راحة أو متعة تخفف الإحباط الشخصي من نفسي، إلى أن تعلمت من فترات الراحة في الماء بين الحركات أن الأمر ممتع، وأني بالفعل أتقدم وإن كان ببطء، فتجرأت على أن أعطي لنفسي أيامًا للعب دون ضغط الإنجاز الذي أضع نفسي فيه كلما دخلت المسبح.
جربت بعدها تمارين المقاومة لما علمته من فوائدها لصحتي التي تتداعى، فوجدتها مؤلمة للغاية ومملة ورتيبة، ولم أجد فيها متعة السباحة. وربما لو لم يؤلمني أكثر المبلغ المدفوع للاشتراك ما أكملت. لكني تعلمت درسًا بعد المرة العاشرة مثلًا. أن الألم الذي أشعر به يبني بالفعل أو يزرع شيئًا جديدًا في النفس والجسد، وأنه يتأخر مع الاستمرارية والمداومة.
فالعمل مع الخوف من فقد الراحة الثمينة مُجزٍ آخر الأمر.
لن يختفي الخوف بفعل ما سحري، بل يخفت صوته العالي أو يُدفَع تدريجيًا بالعمل، حتى يستقر الدرس الجديد، أو العادة أو الفعل الجديد.
وهذا سبب أني أكتب هنا -قد أفعل بانتظام حتى ينتهي دور هذه الكتابة- لأني أريد أن أستعيد الكتابة دون خوف من القراء وردود فعلهم، ومن حبهم وكراهيتهم، أو من أقول كلامًا مملًا ضحلًا لا فائدة منه، وليس جذابًا.
بل إن شعار المرحلة القادمة هو: لنكتب كتابًا رديئًا! كما نصح ماركيز مثلا..ولأكتب كتابة رديئة. الأمر تقريبا لا مفر منه. لا ينبغي أن نأسر البدايات في توقع أو فرض أن تكون مبهرة أو ممتازة، او حتى جيدة طيلة الوقت. يمكن أن نحاول.
لنكتفي بالجيد، ونواصل العمل حتى الممتاز والمُتقن.
أمس شاهدتُ فيلما وثائقيا عن (كيرت فونيجيت)، تعلمت منه كثيرًا، وتفاعلت معه. من أهم ما انتبهتُ له هو الوقت الذي يستغرقه الكتاب ليخرج مهما كنت مهمومًا بالأمر، وأن ما يصل بك هو الاستمرارية والإصرار على الاستمرارية، والمحاولات التي لا تنتهي حتى تصل - أتذكر شعار "لا أبرحُ حتى أبلغ" الآن-.
درس مكرر من كل كاتب ذو شأن، أو فنان أو صاحب أي صنعة.
أحب أن أتحدث عن هذا الكاتب الذي يصاحبني هذه الأيام في وقت لاحق إن شاء الله.
السبت، يناير 11، 2025
وفيك انطوى العالم
دَواؤُكَ فيكَ وَما تُبصِرُ وَدَاؤُكَ مِنكَ وَما تَشعُرُ
أَتَزعُمُ أَنَّكَ جُرمٌ صَغير وَفيكَ اِنطَوى العالَمُ الأَكبَرُ
فَأَنتَ الكِتابُ المُبينُ الَّذي بِأَحرُفِهِ يَظهَرُ المُضَمَرُ
وَما حاجَةٌ لَكَ مِن خارِجٍ وَفِكرُكَ فيكَ وَما تُصدِرُ.
(علي بن أبي طالب)
***
أشعر أحيانًا ألا فائدة تُرجى من كتابتي، فقد قيل بالفعل كل ما خطر على قلب بشر، كتبوه بكل اللغات، وحكوه بكل الطرق، فما الفائدة التي تُرجى من أي شيء أكتبه.
لكني أعود وأكتب لأخاطب نفسي وأشباحي، أذكرها بما نسيت أو بما يمكن أن تنساه. وأفتح نافذة لأشباحي وهواجسي لعلها تتنفس وتطير فتتحرر وأتحرر.
- متى يهرب المُحب مما يحب؟
- عندما يكون ألم الاتصال أشد من ألم الانفصال.
***
الكتابة فعل تالٍ للقراءة، أو رد على فعل القراءة. لذا أعرف أني سأكتب طالما أقرأ بفضول وانتباه. والقراءة هي للكتب، وللناس، وللعالم من حولك -ولتجاربك إن كنتَ بصيرًا-
ما أقرأه في العامين الماضيين هو بحث عن إجابات لقاعٍ انفتح في نفسي من أسئلة لا ينتهي أحدها حتى يُولد الآخر من بطنه.
أقرأ لأقاوم إلحاح اندفاعاتي، وما يمكن أن يذهب بي بعيدًا عن المسار الصحي في حياتي.
لم أكن أتوقع أن أعيش لأقترب من الأربعين، ووفَزعتُ عندما ذُكِر في تساؤل عابر عما سأفعل عندما أصل للثمانين والتسعين!.
لسان حالي ما قاله الزهير بن أبي سلمى:
سَئِمتُ تَكاليفَ الحَياةِ وَمَن يَعِش ثَمانينَ حَولاً لا أَبا لَكَ يَسأَمِ
رَأَيتُ المَنايا خَبطَ عَشواءَ مَن تُصِب تُمِتهُ وَمَن تُخطِئ يُعَمَّر فَيَهرَمِ
وَأَعلَمُ عِلمَ اليَومِ وَالأَمسِ قَبلَهُ وَلَكِنَّني عَن عِلمِ ما في غَدٍ عَمي
(وأنا أردد هذه الأبيات منذ عشرينياتي). أعود لأبيات الزُهَير وأقرأ:
وَمَن يَغتَرِب يَحسِب عَدُوّاً صَديقَهُ وَمَن لا يُكَرِّم نَفسَهُ لا يُكَرَّمِ
وَمَهما تَكُن عِندَ اِمرِئٍ مِن خَليقَةٍ وَإِن خالَها تَخفى عَلى الناسِ تُعلَمِ
وَمَن لا يَزَل يَستَحمِلُ الناسَ نَفسَهُ وَلا يُغنِها يَوماً مِنَ الدَهرِ يُسأَمِ
يخرجني هذا الغرق اليائس قول النبي الكريم: "لا يَتَمَنَّيَنَّ أحَدُكُمُ المَوْتَ مِن ضُرٍّ أصابَهُ، فإنْ كانَ لا بُدَّ فاعِلًا، فَلْيَقُلِ: اللَّهُمَّ أحْيِنِي ما كانَتِ الحَياةُ خَيْرًا لِي، وتَوَفَّنِي إذا كانَتِ الوَفاةُ خَيْرًا لِي"
وما الضرُّ الذي أحدث هذا الثقب الذي لا يُرتَق في نفسي؟ هل عرفته فعلًا بعد أكثر من عام على بحثي عن إجابات من داخل نفسي وتجربتي؟ لماذا كل ما ظننتُ أني عرفتُ لا أُشفى؟ أليست المعرفةُ شافية في أصلها؟
ربما الحل فعلا في الحركة والاستمرار فيها. في التقدم المستمر للأمام بالانتظام على أفعال يومية صغيرة تغذيها واجبات المرء ومسؤولياته تجاه نفسه ومن يعول.
هل هذه الثقوب هي نقائص نفسي الأصيلة التي كلما اختفى منها واحد، ظهر غيره؟
ربما هذي الثقوب/النقائص هي دافعي للتحرك أصلًا. وأنا يوم أشعر باكتمال أقف أو أموت. لذا لحظات الاكتمال في حياتنا قصيرة. لكي نواصل الحركة (؟)
قاومت فكرة أن أعمل على أي شيء عدا ما أحب. إلا أن الحياة لا تعمل بهذه الطريقة. يمكن أن تعمل فيما لا تحب، لتتجنب الغرق في هاويتك، أو الانجذاب القهري لثقب نفسك الأسود. بعدها، بطريقة ما بالمهارات الجديدة التي تتعلمها في الطريق، تصبح قادرًا على فعل ما تحب، وتجد ما يتعبك فيه أيسر، بعد أن تعلمت الصبر والجلد من الانتظام في فعل ما لا تحب برغبتك لفترة.
وعطفًا على أبيات علي بن أبي طالب في أول حديثي هنا بأنه لا حاجة لي لاستعارة الحكمة من خارجي، ففي نفسي كل حكمة، أراها إن تأملت فيها- رأيتُ رأي العين ما يفعله التكرار والمواظبة في زيادة التحمل.
وليس الجسد فقط ما يحتاج للرياضة، ولكن النفس والروح، وكل جزء فيك تريد أن تحمله على فعل شيء أو ترك شيء.
أُصبّرُ نفسي بالشعر وأحاديث الحكمة على ما لا أطيق من نفسي، ومن شرور العالم.
كل الفظائع معروضة كأنه سوق يزايد كل قادر على من يقدر عليه. وكلما مر عام، وخضت التجارب، عرفت مكاني في هذا العالم، أو ظننتُ أني عرفته. فيظهر أن ما يمكن أن أفعله أقل مقابل ما يجب أن أتقبله، أو أهادن فيه.
أو ربما هذا حديث الخوف.
نخاف من المجهول ونحن صغار: من أن تتركنا الحياة إن تركتنا أمهاتنا، ثم إن تركنا آباؤنا، ثم إن تركنا مجتمعنا القريب.
ثم نخاف من المعلوم ونحن نكبر: فأمهاتنا أو آباؤنا أو مجتمعنا القريب قد تركونا في مواقف متعددة، أو تركونا تماما زمانًا أو مكانًا، فأنشأنا لأنفسنا نظام دفاع لتجنب مزيد من الألم والنبذ.
الخوف حمولة، والحركة تَثْقُلُ كلما ثقلت الحمولة، حتى تتوقف تمامًا في مرحلة ما إن لم تتخفف.
وجهادنا المستمر أن نتوقف لنفتش ونجرد حمولتنا، ونتخفف لنواصل المسير.
الثلاثاء، أغسطس 20، 2024
البحث عن نهاية القصة
الحياة غير منطقية، ولا أسباب معينة تقود لنتائج معينة إلا في الروايات.
الحياة أكبر من المنطق. ونحن من اخترع المنطق لنرتب أمورنا، ونشعر بشيء من الأمان وسط كل هذه الفوضى غير المُتنبأ بها.
المنطق موجود، والأسباب التي تؤدي إلى نتائج معينة موجودة. لكنها كالطرق التي نمهدها والمدن التي نبنيها وسط البرية، الطبيعة أكبر من مدننا مهما كبرت مدننا.
نحن نمهد طرقنا، ونبني مدننا بالحكايات التي نحكيها لأنفسنا ولغيرنا، نؤسس عليها فهمنا لأنفسنا، ونرى من خلالها العالم.
يُقال إن المخ يُخزن كل شيء يراه ويسمعه ويحس به داخل نطاق قدرته، ولكن استدعاءنا لكل هذه البيانات الداخلة لا بد له من أن ينتظم في حكاية أو قصة ليخرج للعالم. والحكاية تستخدم ما ينفعها من البيانات وتهمل الباقي، أو تجعله هامشًا، لا تستدعيه الذاكرة ثانية إلا إذا ظهر إطار أو سياق أو حافز ما يُخرج هذه التفاصيل للسطح ثانية.
***
ثم يأتي الموت (وأحيانًا الزواج كما تقول سوزان سونتاج في أحد اللقاءات) ليضع نهاية ما تجعل ما قبله حكاية.
أي أن الموت نهاية الحياة، وبداية الحكاية بشكل ما.
هذه الفكرة جعلتني أتأمل فيها كسبب لرغبتي المتزايدة في الموت. ربما لأن أهم ما يجذبني في هذه الحياة هو الفهم. الرغبة في فهم العالم، وفهم نفسي، وفهم الآخرين، وفهم كل شيء.
وأشد لحظاتي ظُلمةً هي اللحظة التي أكف عن الفهم، أو يصبح فيه كل شيء غير مُستوعب وفوق الإدراك.
شيئًا فشيئًا أتشرب فكرة الإيمان، وأنه ليس نابعًا من المكان الذي أفكر به وهو العقل، وإنما ينبع من القلب. وما يقر في القلب لا يخضع كليًا لقوانين الإدراك المنطقي. لأن كل ما هو خارج نطاق استدعاءنا وتحليلنا الواعي للبيانات التي نتلقاها طيلة اليوم يتعامل معه القلب ويكون له حكم.
إذن فالقلب حساس لما ندركه بعقلنا الواعي، متقلب لأنه يحس بكل المشاعر، يربط جديدها بقديمها، ويرشدك بالمشاعر والإحساس. ربما بهذه الطريقة لأنه مكان استقبال وإرسال الطاقات فإنه إن يبصر تُبصر، وإن يعمى تعمى.
***
لذا فالإصرار على أن يكون العقل وتفكيره وحده حَكَمًا على الأشياء يضرني. لأنه يعطل الاسترشاد برسائل القلب ورؤيته.
وربما هو الدافع للرغبة في الفناء أو الموت لأني -بشكل ما- أستعجل نهاية قصة حياتي، أو أن لدي فضولًا نحو ما ستنتهي إليه الأمور، أو أنني لم أتعلم بعد كيف أقف وأتأمل في الأحداث التي تغير حياتي،وأستقي منها ما أريد أن أفعله، أو أغير الوجهة ببساطة إن تبين أني أحتاج لذلك.
الأربعاء، مايو 15، 2024
يومًا ما
بعد كل هذا، أتمنى إن عشت، أن أرى اليوم الذي عندما أسمع فيه أحدًا يصفني ب"جميلة" أو "لطيفة"، أو "طيبة"- ويمر الأمر دون أن أسمع في الخلفية صدى المعنى المستتر: "ويمكنني استغلالك"، أو "وأستطيع أخذ ما أريد منك دون اعتراض -وعليهم منك بوسة يا هبلة-".
أليس جميلا أن يكون للكلمات التي تقال معنى واضح مباشر بسيط؟
الأحد، مايو 12، 2024
الارتطام الثاني
إذا سقط جسم حي على الأرض من ارتفاع شاهق، فإنه تبعًا لقوانين الفيزياء إن يرتطم بالأرض الصلبة سيرتد عنها، ثم يسكن ثانية على الأرض.(لأنه لكل فعل (سقوط الجسم) رد فعل (مقاومة الأرض) مساوٍ له في المقدار ومضاد له في الاتجاه (السقوط لأسفل، والمقاومة لأعلى)).
بهذا المعنى يرتطم الجسم بالأرض ارتطامين: الأول غالبًا ما تتكسر فيه العظام، والثاني: يسكن على الأرض وتسيل الدماء إن انفتحت الجروح.
الفكرة هنا: أنه في احتمال ما قد ينجو الشخص من تكسير العظام، لكنه لن ينجو من النزيف الداخلي الذي سيميته.
***
سقطت من حالق -هذه المرة كان الارتفاع الأعلى في حياتي- بقدر ما غذت المثالية تصوراتي عن نفسي وعن غيري.
دواخلي متكسرة، وأنزف بلا توقف. لم أمت وإن تمنيت.
ولا أعرف بعد كيف أوقف النزيف، وكيف أسامح نفسي على جهلها وغفلتها وظلمها ومحاولاتها العمياء لتغيير ما لا يقع في نطاقها بدل تركيز كل هذه الطاقة على ما ينفع النفس ويسمو بالروح.
***
توجد مسافة طبيعية بين المثالي والواقعي طول الوقت. ومن الطبيعي أن يسبق المثال الواقع. إن كان الفارق بينهما واضحًا في ذهنك لن يضرك تفكيرك المثالي، وإن كان سيجعلك رؤيتك مثالية أحيانًا، أو ثورية أحيانًا أخرى.
تبدأ المشكلة عندما تحاول فرض المثالي على الواقع قسرًا. بينما الطبيعي والفعال هو أن الحياة فن الممكن، وما لايدرك كله لا يترك كله. وأن التحسن في أي شيء بطيء ويحتاج مثابرة واستمرارية جهد وتذكيرا مستمرا.
ضرر المثالية هو أنها تحدد رؤيتك للعالم بما في خيالك (لأن تصوراتك المثالية خيال)، لا بما هو طبيعة العالم وواقع الأشياء. أي أنها تعوق بينك وبين الرؤية الواضحة لواقعك وواقع من حولك، وبالتالي لا تساعدك في اتخاذ قرارات سليمة في طريقك.
بتعبير آخر: المثالية نوع من العمى. يكون ما تبحث عنه نصب عينيك، بينما تلهث بحثا عنه في أطراف الأرض، لأنه لا يطابق تصورك/خيالك عنه.
***
أرى الرغبة في التعبير بالكلمات تخفت (عموما رغم أني أكتب الآن) وتبدو بلا جدوى، والشغف بكل ما هو جميل يخفت، والرغبة في فعل أي شيء حقيقي يخفت.وأقول لنفسي: سيمر. هذا أيضًا سيمر.
ماذا لو أحببت كل المتعبين وغفرت لكل المسيئين، فلن يخفف من تعبهم شيئا إن كنت المُتعبَ الذي ينتظر الخلاص من بشر مثله. ولن يغير ألم الإساءة التي أصابتني. فلماذا أنحت في الماء، وأهدر عمري؟ ولماذا لا أحب نفسي المُتعَبَة والمُتعِبة بما يكفي، ولماذا لا أغفر لها إساءاتها في حق نفسها؟
تعلمتُ بالتجربة أن رعاية النفس هذه -عوضًا عن حبها- صعبة لمن لا يرى نفسه جيدًا، ولمن لا يملك نموذجًا سليمًا بما يكفي ومقنعًا له ليقتدي به.
ومن لا يرى نفسه جيدًا ويعرف مكانه لا يرحمه العالم، ويجد نفسه في طريق كل من هب ودب. سبيل مفتوح لكل ذي حاجة. ولهذا لا بد من الحدود والأسوار.
مسؤوليتي نفسي: أن أعفو عنها، وأتحمل ألمها. وأحميها. ألا أسمح أن تأتي الإساءة والأذى مني لها بأي حال، فنصيب النفس من أذى العالم يكفي ويزيد.
والصبر. الصبر الجميل على هذه الليالي الظلماء، الصبر على قلة معرفتي بالصبر، وقِصَر أنفاسي، وعبثية أملي في تغيير ما لا يد لي في تغييره، وهو كل شيء تقريبا خارجي وعداي. أقصى ما يمكنني تغييره هو في نفسي وحسب، وما أستطيع وأظلّ أحاول فيه وحسب.
لن يرضى عني من أتمنى أن يرضى عني، والبحث عن رضاهم بلا فائدة. لن يحبني من لا يحبني وإن قطعت له المسافات وقطعت من لحمي الحي. لن يعم الحب العالم إن اتسع صدري لأذى أكبر.
تصورات الآخرين عني مشكلتهم وحدهم، ليس علي إصلاح أي شيء.
من رآني ساقطة، ومن رآني قديسة.. كلاهما سواء. ولا شيء أكثر عبثا من إثبات الواضح لكل ذي عقل ونفس وقلب سليم.
لا ينبغي أن أقول عن نفسي أي شيء، ولا أوصل رسالة لأي شخص، ولا لأمي وأبي. لا يهم فعلا. لن يراني كل شخص إلا كما يريد أن يراني أو بقدر ما تتسع نفسه لي.
إن رآك شخص ما بهيمًا، فلن يكفي عمرك كله لتثبت له أنك ليس كذلك. وإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور.
فلماذا تحاول؟
ليرحمنا الله في هذا القاع ويضمّنا لحنانه، إنه على كل شيء قدير.
***
ما كان كان، وما سيكون سيكون. وقع الأذى، وتكسرت العظام، وما يهم أحيانًا ليس تمام الشفاء بقدر العودة لأن تكون إنسانًا فاعلًا، مثمرًا يعرف قدر نفسه في العالم، ويصبر حتى تلتئم عظامه بما يكفي ليتحرك ويكمل ما عليه.
وما أنا فيه الآن لا يلزم إلا الاستسلام للموج، وانتظار التئام العظام وشفاءها -مع قليل من آه هنا، وبكاء هناك- وتذكير نفسي بواقعي، وإمكانياتي، ونعم الله التي لا تحصى عليّ. أكتب هذا لأتذكر. لأن من ينسى لا يتعلم، والحمدلله من قبل ومن بعد.
الأحد، أبريل 21، 2024
ونفسي والهوى
قالت الكراهية: أنا أماني النفس المكسورة، وقال الحب: تلبسُ أماني النفسِ وجهي، وتخاطبكم.
لن تذوقوني إلا أن تغمضوا أعينكم عن الصورأيها العطشى، وتشربوا هذه النار التي تكرهها نفوسكم.
أنا هناك ماء بارد.
إلى الآن لا أقوى على تصديق قلبي، وإغماض عيني. لكني أتدرب كل يوم.