الجمعة، أبريل 13، 2007

حيث أني حي

التبرير نوع من جدل الأحياء بخصوص أنهم أحياء،ولأي درجة
***

كتب لي جدي يومًا : "اقرأي ماينفعك،واكتبي ماينفع الناس"..وإنني أتذكر هذا على فترات متباعدة ،تنبثق الجملة كسحابة
دخان خفيفة تغريني بالالتزام بها،ثم ما تلبث أن تتبدد ،أو أتبدد أنا تجاهها لعدم إحساسي أنني أستطيع الالتزام بها بالضبط.

القراءة ستظل ممارسة وتفصيلة تتعدى كونها إجابة لسؤال تعارفي محفوظ هو : ماهواياتك؟
تخللها في حياتي يرجع لكونها بديلاً عن وسائل ترفيهية كثيرة،ومكافئًا للنضج،حيث أتشبه بالكبار (أمي وأبي)،ومكافأة في حد ذاتها،لو أثبتِ حسن سلوكك خلال الأسبوع سيحضر لكِ بابا كتابًا جديدًا..

القراءة صداقتي الحميمة وعالمي الذي أجوب في مناطقه البكر،ومناطقي أنا التي لم أفهمها تمامًا،منتهى الحرية ،والانطلاق..وبعض ما أقرأه يعتبر سري لارتباطه بأحداث وأماكن وأوقات معينة يكسبها حميمية لن يفهمها إلا من يقترب مني بصدق..وحب..وتسامح.

اكتبي
لا أذكر أن أحدًا قالها لي قبل جدي..أو لم أسجلها على أنها الأولى ،إلا للمكانة الخاصة التي كنت أكنها له.
جدي بمكتبته الضخمة والتي هي ثروته والتي حولت جدران منزل جدتي إلى صفوف وصفوف تتراص عليها الكتب رصًا،غرفة الصالون محاطة بأرفف بمساحة الجدران الأربعة عرضًا ..وطولاً تتفاوت من متر إلى نصف المتر..أتذكر بوضوح مرات محاولتنا أرشفة المكتبة التي لم تكتمل واحدة بحيث تغطي التجديدات في العناوين،السبب الأساسي لمحاولة الأرشفة هو عدم تكرار عناوين ما،أو محاولة ايجاد طريقة لاخراج عنوان معين عند الحاجة إليه..طبعًا الصالون لأنه يعتبر مكتب جدي فله مكانة خاصة في ذهني،هناك الغرفة التي كانت لخالي،والتي أصبحت رسميًا غرفة المكتبة..حيث لا تظهر الجدر أساسًا..بينما بطول الغرفة يوجد مكتبة أسفلها دواليب مغلقة وأعلاها رفوف زجاجية..في الطرقة(الممر)الضيقة الموصلة لغرفة النوم يغطى جدار واحد من السقف إلى الأرض بأرفف تتراص فيها الكتب وأحفظ تصنيفها جيدًا..في الشرفة (البلكونة أو الفراندا أيًا كان مسماهاعلى شكل لـ) نفس الكلام في الداخل حيث الضلع الأطول،وفي الضلع الأقصر المطل على الشارع تغطي الجزء الأعلى من الجدار.

قد لايفيد أحدًا ذكر التفاصيل الدقيقة لاتساع مكتبة جدي..وإن كان هذا يشكل جزءً سعيدًا مني،أيضًا تلميحه أنه سيوصي إلي بعدد ضخم من كتبه أو بمسئولية مكتبته التي يريد أن يفتحها بعد ذلك للمهتمين -بعد حياة طويلة إن شاء الله-كان شيئًا يشبه الإشادة بك وسط جمع غفير من البشر ..وسام.

جدي كان يكتب ويخطب
يكتب كتبًا سياسية،أو ماله علاقة بشكل ما بالسياسة..كنت أناقشه،وأهتم كثيرًا جدًا بما يكتب،وإن لم أقرأه يومًا بشكل كامل،لم يعرف بطريقة ما أنني لم أقرأ كتبه كاملة،ربما للنقاشات الطويلة،وربما لأنني غالبًا ما أعرف عن موضوع الكتاب وهو في طور الكتابة..

!
بصراحة ما أردت قوله،مخالف لما استطردتُ فيه
أردت نفي كوني أكتب (سواء الكتابات الأدبية..أو تدويني) رغبة في كسب اعجاب،أو تثبيت ذكري بين العالمين،أو لذاتي بمعنى لمتعتي الشخصية البحتة،

بدأ تفكيري في الموضوع بشكل مكثف،ربما بدأ بشكل دفاعي مع تدوينة نور التي مع خصوصيتها عممت أحكامًا معينة لم يقصد بها أحدًا بعينه ،بطريقته الصريحة والصادقة والجذابة نقل مايراه بعينه..توازى هذا مع تفاعلي مع تدوينة أصل الحكاية لـ نِدا

تفاعلي مع ما أقرأ يميل للتطرف أحيانًا على اختلاف رد فعلي الظاهر،كل مافعلته التدوينتان هو إثارة زوبعة في رأسي لأفكار ماورائية لدي تدفعني أحيانًا لأساليب دفاعية عند التحدث في الأمر،أو الصمت لأنني (أحس) و (أفهم ما أحس) مُجزءً ،مبعثرًا يستعصي على الترتيب والتعبير.


ثم جاء الجميل بورخس في محاضراته (صنعة الشعر) ليرتب ويربط بين أفكاري المبعثرة
الكتابة نوع من التعاون،هذا يعني أن القارئ يُسهم في الكتاب
وهذا معناه بالنسبة لي عندما أتمنى تعليقًا أو نقدًا،ومازال سؤالي الأساسي لوقت قريب لمن قرأ لي (هل أتحسن؟) قاصدة أن أظل على مستوى جمالي معين أرتفع فيه ،ولا أنخفض..لكن هذا ضمن ما شلّ قدرتي على الكتابة أو اقدامي عليها بانسيابية لعام تقريبًا مضى..

المفترض فيما أراه الآن،أنه لا مقياس سوى الصدق(عكسه الافتعال)،والابداع (بمعنى انشاء روابط جديدة بين الاشياء/اللعب)،والاخلاص في نقل رؤيتك لأن لك أن تتأكد أن كل منا مختلف عن الآخر،ولو تشابهنا في العنوان فمؤكد تفاصيلي ليس لها نفس رائحة ومذاق تفاصيلك..وهذا هو الأمر

إذن التفاعل في حالة مابعد الكتابة أمر له مردود مبهج على الكاتب -غالبًا- ومفيد،لكن أهميته تختلف باختلاف الكُتاب ،باختلاف نظرتهم لمدى هذه الأهمية..ولترتيب أولوياتهم.

أعتقد أن تعليقي أهمية عظمى على رأي الآخرين فيما أكتب كان يشوبه خلل معين..فحيث كوني أرى أنه طالما كان المكتوب لايخصك بعد عرضه ،فللقارئ حق عليك ..هذا أثر على مركبتي في البحر..فبعد أن كانت تنساب بحرية حيث تهوى،أصبحت تسير نصف مترللشمال وربع متر للغرب توقفت في النصف..مع حركات طفيفة تجاه هنا وهناك

الفكرة في الكتابة أصلاً..أنها نوع من التثبيت للحظات وشعورات وأفكار
لأنه كثيرًا ما تشعر بكل هذا في وقته حقيقيًا جدًا،فإذا انتهت لحظته أصبح ذكرى أو أثرًا أو حلمًا أو لونًا في فوضى هادئة تنتابك في لحظات (السَرَحان)

وبالنسبة إلي أيضًا ..الكتابة نوع من التخفف
أحيانًا تثقلني بعض الأحداث،أو تلح بشكل يشعرني من داخلي بنوع من الثقل
أحب دومًا أن أكون حرة من أي قيد أستطيع كسره،وأرى أن الثبات في أي وضع وأي حالة نوع من الموت
وأكره أن أموت وأنا مازلت أتنفس.

أما عن اللغة فبالفعل لغة الأمس تخالف اليوم كما تحدث محمود عزت .وقد تجد أنت المعنى بالعامية وقد أجدها أنا في الفصحى،وكما قال كونكان أثناء تعليقه على محمود أنه ربما سيكون هناك شروح للغتنا التي نراها الآن بسيطة أو عامية..هذا عامل زمني ليس بيدنا

مازال يوجد من يفضل قراءة المعلقات ويراها درة الأدب،ومن يتطرف للغة الفصحى البسيطة ،أو للعامية،أو أو..القصد أنه ستظل الأذواق تختلف،وماسيتبقى هو ماسيسمح بتفاعل بين القارئ والمكتوب تفاعلاً غير مرتبط بارتباط المكتوب بمجرد تعبيره عن ظروف زمنية ضيقة ،أو نظرة محددة بقدر صدق العمل وفرادته وربما أصالته.

شعوري بالضآلة عمومًا لا أعبر عنه بالكتابة،بقدر ما أقاومه بالكتابة،ربما عن طريق تثبيته وسط الكلمات التي ستثير شيئًا ما -أيًا كان حجمه-عند من سيقرأه عداي،وهذا التفاعل الحتمي الموجود دليل كافي على (الحياة)..لكن بمنتهى الصراحة أخجل لأقصى حدود الخجل من مناقشة علنية مفتوحة لشئ كتبته،ربما لطبيعتي الباطنية،ولعدم تعودي التعامل دون مرحلة أو مراحل من (الستائر)الفاصلة..هناك مسافة دومًا في أي تفاعل مع الناس
في الكتابة المسافة بيني وبين المكتوب معدومة..حتى لو كانت أفكارًا لا تستمد قوامها من أحداث،ففعل الكتابة لدي أكثر فعل حميمي تقريبًا

(طبعا أقصد الكتابة الإبداعية غالبًا) أذكر أن أول ماكتبت من شعر كان في احدى سنوات الاعدادية لصديقة أحبها كنا على خلاف..في نفس الفترة كان كلما حرتُ في شعور كتبتُ مايشبه الشعر أو خواطر قصصية على استحياء وأريتها صاحب الشأن بصمت

ربما لهذا جذور تعود لطريقة النشأة وعدم وجود أصدقاء حميمين في الصغر..لكنه لم يشكل أي مشكلة أبدًا،كان بطبيعية حلاً بديلاً..تقول أمي: إذا لم تستطيعي افهامي لمَ فعلتِ ذلك..اكتبي،ويقول أبي: كوني صريحة..وإذا لم تستطيعي وأنتِ تنظرين لوجهي..اكتبي

وهكذا كان الأمر.

لذلك عندما أكتب ،ويطلعني أحد على رأيه،فإنني بالطبع أهتم،لأنني أحاول أن (أفهم)..أفهمني،وأفهمه،وأفهم الأمر،ولأنني أحاول أن (أرى) ليس بعيني فهذا ماكتبت،بل بعينه (هو) كيف يرى..حينها تتسع الرؤية،وتتسع الخيارات المطروحة لأي أمر،ولأي فكرة،هذا يشعرني بالثراء وبالبهجة وبالحرية.


ولأن الكتابة نوع من التثبيت أو الترسيخ لما ولمن ليس صفته كذلك،فهي تساعد في الإمساك بعدة عناصر،تُكسب تلك الأشياء (الأحداث والأفكار والمشاعر) قدرًا من الواقعية،من التوثيق .

يختلف الأمر من شخص لشخص طبعًا..لكن عني،فالكتابة نوع من (المُدخلات) و(المخرجات) الأساسية في تعاملي مع الحياة،ولأنني مع التشعب اللانهائي للأشياء وهلامية اليوم الذي يأكل الأيام السابقة ليجعلها (سابقة) أحتاج لما يذكرني أنني كنت خلاف اللحظة التي أنا فيها..
إن كانت خفيفة فقد كنت ثقيلة من قبل،وإن كانت ثقيلة فقد تخففت منها يومًا.

عندما تكتب انسَ نفسك ،حاول نقل الحلم وحسب
هكذا قال بورخس،وهكذا سأحاول ..
سيظل ماكتبت هو نوع من التهدئة لفوضاي،نوع من التقاطع مع آخرين،نوع من الدفاع عن التعميم الكاسح أو القولبة،نوع من إظهار وجهة نظر قد تتوازى أو تتقاطع معك أنت (بالذات)،أو حتى تتجاوزك..لكنها ستكون كرمية الزهر في لعبة الطاولة ،أنا رميت هذه المرة ،وأنت سترمي المرة التي تليها ،وآخر وآخر وآخرون كثيرون سيأتي عليهم الدور حتمًا.

هناك 5 تعليقات:

CoonCan يقول...

"شعوري بالضآلة عمومًا لا أعبر عنه بالكتابة،بقدر ما أقاومه بالكتابة"
---
بليغة جداً يا سديم , الكتابة هي (ضخامتنا) الخاصة , الضخامة التي ستحدث لنا بما أننا نكون حينها مجموعة من الأشخاص وليْس واحداً \كل من قرأ وارتبط بالمكتوب.
الكتابة بحكمِ أنّها تأطير لـ مشاعر أو أفكار خاصة, الشيء الفردي الذي بحالته المكتوبة تلك يتحوّل إلى سلسلة مفاتيح لـ عدد لانهائي من الناس\عبر أزمنتهم , بحيث يدخلون جميعاً , نوع من التحوّل إلى (الكائن الصالون), الحالة الوحيدة من الحرية التي تتحقق فقط بـ مشاركة الناس لك, ربما قال كونكان مرّة : الكتابة هي الاستغلال الذي يسرّني أن يحدث لي , قالها مازحاً لكنّه أحسّ بالضخامة بعدها لأنّه قال (شيئا).
---
"أحتاج لما يذكرني أنني كنت خلاف اللحظة التي أنا فيها..
إن كانت خفيفة فقد كنت ثقيلة من قبل"
---
تماماً , ورقة إثبات هويّة أنا فقط من يطّلع عليها , أخرجها لنفسي كلّ مرّة كـ تصريح لأعبر خارجاً منّي.

إبراهيم السيد يقول...

فقط عبرت تماما عن ما يجول بذهني

بليغة و سلسة

الكتابة لعبة كالبينج بونج أو كرمية الزهر كما قلت

حقا استمتعت هنا بما قرأته

ابراهيم

Salma El Banna يقول...

سديم
اول مرة اقرا لك
بس عاجبني اسلوبك اوي
وعايزة اقولك حاجة حد مرة قالها لي - استاذي في الكتابة----------------اكتبي اللي في قلبك زي ماهو - مش مهم يطلع ازاي او شكله ايه
المهم انه حيكون صادق- واللي طالع من القلب حيوصل بسرعة للقلب-
وعموما ان تلمسي قلب احدهم - قد يكون اصعب احيانا من ان تلمسي عقله
والجمع بين الاثنين اصعب واصعب
واراكِ هنا تحاولين بشكل بسيط وجميل ان تفعلي ذلك
ستصلين حتما ستصلين
الى ما اردته وحلمت به يوما

كما قال ابراهيم - استمتعت حقا

روز يقول...

مقطعك "
شعوري بالضآلة عمومًا لا أعبر عنه بالكتابة،بقدر ما أقاومه بالكتابة،ربما عن طريق تثبيته وسط الكلمات التي ستثير شيئًا ما -أيًا كان حجمه-عند من سيقرأه عداي،وهذا التفاعل الحتمي الموجود دليل كافي على (الحياة)..لكن بمنتهى الصراحة أخجل لأقصى حدود الخجل من مناقشة علنية مفتوحة لشئ كتبته،ربما لطبيعتي الباطنية،ولعدم تعودي التعامل دون مرحلة أو مراحل من (الستائر)الفاصلة..هناك مسافة دومًا في أي تفاعل مع الناس"
..
عبّر عني بشدة , لدرجة أني استرحت نوعاً ما بعدما قرأته ..
تشبهينني و أشبهك في أشياء كثيرة ,هذه
منها
غريبة ! لم آت هنا حتماً للتحدث عن نفسي
..
اكتبي , و لا تتوقفي أبداً , و لا تهتمي لآراء الأخرين عنك , انتِ سيدة ما تكتبين , انتِ تصنعين رأيك عن نفسك و ما تكتبين و ليس هم ..هذا ما أحاول اقناع نفسي به دائماً
..
تحياتي !

الشاعر: ظافر ابراهيم يقول...

لقد أستمتعت جدا بكتاباتك الجميلة ومدونة جميلة جدا وأسلوب رائع
موفقة دوماً