الاثنين، مايو 17، 2010

كائن لا تُحتمل خفته -1

(1)
السعادة هي الرغبة في التكرار
__________________
يتفاعل كل منا مع العالم بشكل ذاتي جدًا ومختلف وخصوصي عن أي شخص آخر .
عديدون قرأوا (كائن لاتُحتَمَل خفته) لـ ميلان كونديرا..وعديدون أعجبوا بها،أو قدسوها،أو لم يستطيعوا إكمالها.لا تختلف هذه الرواية عن غيرها في هذا،وأعتقد لا تختلف عن أي شئ بمفرده في هذا العالم من حيث رد فعل الناس حوله،فالأمر نسبي ،ولولا اختلافُ الأذواق لَـبارت السِلَع.

قرأتُ الرواية على فترات متقطعة،بمعنى أنني لم ألتزم بمتابعة القراءة يوميًا مثلاً،بل أكملت كلّ ما تسنى لي استئناف القراءة وسط المشاغل.
من الناحية الروائية،الفكرة بسيطة عن شخص يعمل جراحًا،متعدد العلاقات،متحرر،يبحث في إباحيته هذه عن اكتشاف الأشكال المختلفة التي قد تتجلى فيها الأنثى في اللحظات الحميمة بينها وبين الرجل،فيما يشبه الهوس.

يصف الكاتب ويحلل ويتعمق رأسيًا في حب مثل هذا الرجل لسيدة معينة،يقرر الزواج منها،ولايخفت حبه لها رغم هوسه الإباحي.كما يصف حب السيدة (تيريزا) وضعفها الذي يعتبر نقطة قوة لها.وحتى خيانتها،وألمها المستمر لخيانة زوجها(توماس) .
وتتبع بالتحليل أحد عشيقات البطل الرئيسيات (سابينا).والحكاية تقع على خلفية الحكم الشيوعي السوفيتي لتشيكوسلوفاكيا.

ما جعلني أستمر في قراءة الرواية،وأتجاوز عن العبث اللامبالي الذي يغلف جو الرواية،هو التحليل والفلسفة ..فمثلاً عندما يقدم أكثر من فصل تحت اسم (شرح للمصطلحات غير المفهومة)،ليتحدث عن مفهوم الرؤية عند سابينا وعند توماس،لتكتشف بنفسك إلى أي مدى يمكن أن نكون مختلفين حتى لو تشاركنا نفس الفعل..كيف يكون لإغماض العين مثلاً معنين أو منظورين مختلفين،فأحدهما يغلق عينيه،ليغرق في اللامحدود واللامتناهي من ذاته..(هكذا بكل بساطة)-كأنه يريد أن يرى أبعد مما تسمح له الرؤية-،والآخر يغلق عينيه ،لأنه يرفض أن يرى..
---
طيلة الرواية يوزان كونديرا بين الخفة والثقل،بعد أن استهل الرواية بشرح فكرة (العَوْد الأبدي)،والتي مفادها تكرار الأحداث على مدار التاريخ،مما يجعل للمعاناة الطويلة للإنسانية من الحروب والمجازر مثلاً،أمرًا عبثيًا لامعنى له،طالما سيعاود التكرار.وسيجعل للحظات ثقلاً معينًا نابعًا من مسئولية أي فعل يقوم به المرء،لأنه لن يكون مجرد فعل سينمحي ،بل سيتكرر ويتكرر ،وبذلك يكسب العالم ثُقلاً.

وبالتالي لأن العالم لايتكرر بالضبط ،بل تنمحي أحداثه،فيمكن وصفه بالخفة ..لكنها خفة قد لا تُحتمَل.
فلم تثر صورة لهتلر لدى الكاتب سوى حنينه لأيام طفولته التي عاصرت أحداث حكم هتلر..
"إن هذه المصالحة مع هتلر تفضح عمق الشذوذ الأخلاقي الملازم لعالم مبني أساسًا على انعدام العود.ذلك أن كل شئ في هذا العالم مُغتفَر سلفًا،وكل شئ مسموح به بوقاحة."

أضف أن فكرة كـالسعادة لن تكون قابلة للتحقق طويلاً،" لأن السعادة رغبة في التكرار"،و "الزمن الإنساني لايسير في شكل دائري،بل يتقدم في خط مستقيم ."
---
عندما ناقش كونديرا الحب،ناقشه من كل نواحيه وأشكاله..لكنها حكايته .
بمعنى،أن لكل مفهوم بشري حكاية كبيرة ،تحكيها الثقافة التي يتبعها الحكّاء..محيطه البيئي،دينه/أو لادينه..أو حتى وطنه.
كل شئ محدود ومحدد بما يمكن أن تستقبله في نفسك بعد أن يعبر أكثر من فلتر،فحتى لو أفرد الكاتب صفحات وصفحات ليوضح أن الحب شئ،والجنس شئ..فهذه حكاية الحب..أو احدى احتمالاتها العسيرة على الحصر.
لكنه قتامة الحكاية -في رأيي- جاءت عندما وصلت الزوجة (تيريزا) إلى أن الحب بين الإنسان والكلب أفضل من حبها للرجل/أو للإنسان..حيث أن الحب بين الإنسان والكلب،حب برئ،حب دون صراع ،ودون مشاهد ممزِقَة ،ودون تطور.

يمكن أن تنقاد بسهولة وراء مثل هذا المفهوم المنطقي -المُبرهَن عليه-،لو تتبعت عذابات الحب،وآثار الصراع الدامية،والصمت الثقيل بين توماس وزوجته التي استيقظت فجأة من حلم مزعج رأت فيه نفسها مدفونة منذ زمن بعيد،وكان زوجها يأتي لزيارتها كل أسبوع ،فيقرع على السرداب لتخرج وعينيها ملئى بالتراب ..كان يقول لها :" أنتِ لاتستطيعين أن تري شيئًا" ،وكانت تقول له :"لكني في جميع الأحوال لن أرى شيئًا ،فهناك فجوتان مكان العينين."
وهو يخفف عنها ويأمرها بالراحة،وهي تعرف أن مدة الراحة التي ستأخذها ،سيكون مع أخرى..لكنها لن تنام لأنها لا تستطيع أن تفوّت عودته،فتزداد قبحًا وشحوبًا ليزداد هاجسها بأنه يبتعد عنها ثقلاً..وهكذا.
---
يتبع

هناك تعليقان (2):

غير معرف يقول...

المفترض أني قرأت هذه الرواية قبل كل من قرأها ممن أعرفهم، ولا أعرف لماذا، خلافهم جميعهم، لم أشرع مباشرة في كتابة قراءتي الشخصية عنها، وجميعهم لديه نفس المآخذ، مثلاً : من أعجبته الرواية جداً رغم الاباحية، حسناً، أنا أحتقر ميلان كونديرا، لا أكرهه لكني أحتقره بشدة، وأحتقر هذه الرواية، لا أدري حقيقة ما السبب، هنالك روايات أخرى عليها نفس المآخذ لكن هذه هي التي أقف تجاهها موقف العداء، فهي ليست رديئة، تقييمي لها كان عالياً بالمقارنة بكراهيتي، لا أدري لماذا، هل لأنها تكرّس للصلف ؟ الصلف الغربي البشري؟ هل لأن كونديرا كاتب صلف متعجرف مهووس بصلف متعجرف آخر (نيتشه)، رواية تكرس لكل أنواع الصلف، سابينا الصلفة، توماس الصلف، حتى لفظ (كيتش) المتعجرف. حتى فترة قريبة كان كل من أعجبتهم الرواية وكتبوا عنها صلفاء كذلك.

أنت أتيت لكسر القاعدة، لكني ها أنا سأتابع ربما أفقد عدائي تجاه الرواية وكونديرا.

Mist يقول...

بخصوص كرة العود الأبدي، وجدت ما ياتي:
" العود الأبدي:
وهي فكرة محورية في فلسلفة نيتشه “العود الأبدي” والتي تبدو بديلا لفكرة الأبدية في الأديان السماوية، وهي أيضا قريبة الشبه من فكرة عقوبة سيزيف في الأسطورة اليونانية، الذي عاقبه كبير الآلهة بعمل متكرر ورتيب، وليست بعيدة أيضا عن فكرة الكارما البوذية، إلا أن نيتشه يرى أنها عود أبدي مادي رتيب “كالساعة الرملية” سيعود من جديد ويذهب من جديد دائما وأبدا، فكل شيء سيعود بنفس التسلسل وبنفس النتائج. ويعترف نيتشه بأنها فكرة محبطة جدا وليست أكثر إغراء من فكرة الجنة والخلود في الأديان السماوية، إلا أنها محرض لكي نكافح لنكون أعظم مما نحن عليه، ومادامت اللحظة الراهنة هي كل شيء، فلنستغلها أفضل استغلال محققين أفضل ما في أنفسنا.
فالزمان عندما تنتهي دورته الحالية لن يتوقف، إذ أنه سيبدأ من جديد دورة أخرى لا تختلف عن سابقتها، والعود الأبدي “يعني تكرار اللحظة بكل ثباتها وصيرورتها، ولكنه ليس تقبلا لمضمون اللحظة الثابتة، وإنما هو تأكيد لصيرورتها”، وكما يقول نيتشه مخاطبا اللحظة: “فلتكرري نفسك إلى الأبد” أي إذعان كامل للصيرورة"
-
من الصفحة:
http://www.hekmah.org/portal/%D9%82%D8%B1%D8%A7%D8%A1%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%84%D8%B3%D9%81%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%AF%D9%85%D9%8A%D8%A9-%D9%84%D9%86%D9%8A%D8%AA%D8%B4%D9%87/