السبت، نوفمبر 20، 2010

في الاختلاف

 لا يوجد خطأ في تمسك المرء بمبادئه، وقناعاته..حتى لو أظهره ذلك متخلفًا بشكل ما، أو متعصبًا بشكل ما..أو أي وصف أو وصم يمكن أن يُطلَق عليه خارج سياقه.
فالمرء في سياقه الذي يختاره، والذي يتكون من مجموع اعتقاداته التي يؤمن بها، وتخبر أفعاله وسلوكياته عنها يجد طريقًا للانسجام الداخلي، مما يجعله فعالاً أكثر، وإيجابيًا أكثر..أما خارج سياقه فمن السهل أن يُحكَم عليه بما ليس فيه.

لا الرغبة القوية الصادقة في أن تكون محبوبًا، ولا التأذي من السخرية واجتنابها، ولا المصالح القريبة قد تشفع لك تغييرك لمبادئك كل فترة دون سبب مقنع لك. لأنك لن تفلت من شعور عدم الاحترام للذات، أو انعدام الشخصية، أو عدم جدوى وجودك أصلاً.  

 ثم إنه لا مشكلة في تعاكس واختلاف السياقات الفكرية والسلوكية بين الأفراد، طالما وُجِد الاحترام، وكُفِلت حرية الاختيار.
هذا يعني، أنه لا مشكلة حقيقية في الاختلاف، لأننا في الأصل خُلقنا لنختلف. حيث أننا بطبيعتنا ذوي محدودية ونقصان، وكلما تعددت زوايا النظر، ووجهات الرؤية، وعدد الألوان..كلما كان المشهد أدق، وأقرب لحقيقة ماهو عليه.

ولأن الشيء بالشيء يبين، والمعاني تتضح بأضدادها، لذا فإطلاق أوصاف مثل: متفتح ومتشدد ينتج منطقيًا من مقارنة بنماذج فكرية أو سلوكية مقابلة. إذ لا يوجد مطلق وصف تجريدي يمكن أن يكتسب دلالته دون أن يكون هناك مقارنة ولو ضمنية.

بمعنى: أن الحكم مثلاً على أن الحجاب (حجاب الرأس العادي، المقتضي تغطية شعر الرأس دون الوجه، وملابس محتشمة فضفاضة) تشدد، وكشف الشعر تسيب. إنما يحكم بحكم يقارن بسياق الحاكم الذي هو خارج سياق المحكوم عليه.
فسياق مُطلق الحكم (الحاكم) يفترض أن الصورة المعقولة، المرضي عنها، أو (الطبيعي) يقتضي مظهرًا معينًا (كما وصفته أعلاه)، وكل نقص في هذا المظهر يُعد (تسيبًا) في حقه، والعكس صحيح.
ومن يفترض أن الطبيعي أن ترتدي المرأة ملابس بسيطة، ستكون كل قطعة ملابس تعد درجة من التشدد حتى يصل الأمر للتعنت فيمن تغطي جسدها كاملاً. وابنِ على هذا المثال أمثلةً عدة.

قلة من ذوي الأذهان المتفهمة، أو الساعية للفهم يعون أن الحكم بسياقهم الخاص البعيد عما يحكمون عليه، قد لايعني شيئًا بالنسبة للسياقات الأخرى المحكوم عليها. بل قد يصل الأمر مع قلة التفهم للتجني في الحكم عليها.

إن ذلك يشبه الاستدلال بجزء من آية، مع اقتطاعها من سياقها/مكانها. أو أنه يبدو أنه حق يراد به باطل. حق عندي، وباطل عندك (أو العكس).
لذا فالإنصاتُ مهم عند الحديث، لمعرفة سياقه، وبالتالي التعرف عليه. وكما ينطبق ذلك على الأشخاص..أظنه ينطبق على المفاهيم، والحضارات.
بمعنى : لفهم أدق، لابد من مساحة انصات وتعلم وفهم يعطيها المرء للأفكار والمعطيات والحكايات بعيدًا عن الحكم بسياقنا. 
فمن يهتم بصوت منفرد، وسط كل هذه الأصوات المتميزة؟
لا بد أن تكون صوتًا أصيلاً، أعطيتَ فرصة للآخرين ليتكلموا..فيعطونك - عن سماحة- فرصة لتتكلم، وإن لم يعطوك فالأجدر أن تفعل ما أنت جدير به، وماترغب فيه بالفعل -قدر استطاعتك-.

ليست هناك تعليقات: