الاثنين، مايو 22، 2023

13

 أجلت التعامل مع حكاياتي، لأن كل الحكايات أجمل من حكايتي، وأكثر إثارة للاهتمام، وأكثر جدارة بالتحليل واستنباط العبر والدروس.

ولذلك، أنا دومًا في عجلة من أمري. أسرع الخُطى عادة حتى في النزهات، آكل بسرعة، أطبخ وأنا أشاهد شيئًا، أو أستمع لشيء غير الموسيقى عادة، أقلق من نومي لأنه يأخذ من عمري القصير، أو الذي أود أن يكون قصيرًا. 

لو طال كتاب أقرأه، قد أفر في الفصل الأخير لأعرف النهاية، أو أقرأه مُجزأ، أو أفتح معه كتبًا أخرى.
أشرب الشاي والقهوة إما ساخنة جدًا أو باردة جدًا بعد أن نسيتها، فأعالج الوضع بإضافة ثلج عليها واحتساءها بينما أفعل شيئًا آخر.

لا يبطئني إلا ما يشدني حقًا: معلومة أود أن أستوثق منها أو أبحث عن أصلها وفصلها، أو تجربة أو معنى أو فكرة أود فهمها. 

***

أشعر بتغير كبير وشيك عندي. ربما نتاج كل هذي السنين. 

مؤخرًا نصحني شخص قريب لروحي أن أحب نفسي. وطيلة عمري لم أفهم فعلًا وصدقًا كيف يحب المرء نفسه. أفهم أن أزامل نفسي، أصاحبها، أرعاها. لكن هناك حساسية معينة تسثيرها كلمة حب مع كلمة النفس، كأنها دعوة مفتوحة للأنانية، وتقديم النفس على الآخرين. أفهم المنطق وراء الفكرة، وهو أن تعتني بنفسك لكي تستطيع العناية بالآخرين. لكن ما تدربت عليه طيلة عمري هو الاعتناء بالآخرين، حتى صار أمر قيمة نفسي مستمدة من الاعتناء بالآخرين والتعاطف معهم بشكل ما. وإن تعبت فقد أنعزل في قوقعة لا تفاعل فيها مع أحد، أقوم فيها بمسئولياتي اليومية التي لا بد منها، وأكمل بقية الوقت إما في هرب سلبي، أو داخل ثقب تصفح الأخبار، والتنقل من صفحة لصفحة على الانترنت، ومن موضوع لموضوع بلا نهاية. 

 رويدًا رويدًا فهمت أهمية نصيحة "حبي نفسك" هذه. بعد أن فقدت الإحساس بحدودي في الواقع، وصرت بلا سيطرة أو وعي بما أفعل حقًا في يومي وبحياتي. تفاجأت بارتكابي لأخطاء جسيمة في حق نفسي، فقط لأني لم أجلس لبرهة وأهدأ، وأبكي حتى ينتهي البكاء، أو أتأمل فيما حدث معي، أو أسمع لشكواي بجدية، أو أضم الطفلة والمراهقة التي كنت يومًا، فأتصرف كراشدة لها تجارب كتجاربي.
***

ما أراه واضحًا الآن أني فهمت فكرة "الإحساس بالذنب" خطأً، أو ترجمت بعض الأحاسيس والانكسارات الأخرى أنها إحساس بالذنب ينبغي التهرب أو التخلص منه.
الإحساس بالندم عند فعل ما جانبه الصواب الذي تعتقد فيه هو أمر صحي تمامًا، يعيدك للصراط المستقيم كلما حِدْتَ. لكن الوقوف طويلًا عند الإحساس بالذنب، واستعذابه هو نوع من العجز أو الكسل، وفيه ضعف إيمان.  فمع أن كل الخطايا والذنوب تُغفر طالما استغفرت وعملت فورًا على تصحيح الخطأ، وضاعفت ما تفعل في اتجاه تصحيح ذلك الخطأ، فأين المشكلة؟ 

هذا الوقوف الطويل عند الإحساس بالذنب يأخذ من وقت فعل ما تود فعله، ويدخلك في دوائر لا تنتهي من لوم الذات وجلدها حتى يأتي الخطأ الذي يليه، والذي هو آت لا محالة. 

أطمئن عندما أتذكر "إن الحسناتِ يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين"، حتى وإن نظرتُ لنفسي بطرف عيني مترقبة للمصيبة القادمة التي سترتكبها، والتي ستقيم عليها مناحة بعد ذلك.

وأطمئن أكثر لفكرة أن كل هذا سيمر، وأن علي أن أخفف الحِمل في طريق السفر. 

أرجو رحمةً وسلامًا ومحبةً لكل البشر، ولي أيضًا هذه المرة. (ما جراش حاجة!)

 

 

 

ليست هناك تعليقات: