الاثنين، أكتوبر 30، 2023

32

 عزيزي نور


ليس بيدي إلا ان أرسل الرسائل أعبر فيها عن الصباح الجيد الذي عشته بعد صباحات كثيرة جثم فيها الحزن والهمّ. والحمدلله على الحزن والفرح وعلى التعب والراحة.

رغم كل القلق والحزن والعجز الذي أشعر به مثل غيري مع أحداث الحرب على غزة، إلا أني أستلهم المقاومة والتقوي والنجاة منهم. ومن أهم ما ذكرتني به هذه النوازل هو أن نفرح بأي تفصيلة فرج. اليوم فرحنا مثلا بعودة الاتصالات لهم، وقدرتهم على الاطمئنان على الأهل والأحبة.

رحبت اليوم بأشعة الشمس الآتية من النافذةِ في صدفة نادرة هذا الصباح، بينما أجلس مقابل نباتاتي. لوهلة أحسستُ بالفعل بدفء ناعم على خدي، لم يبق إلا دقائق معدودة. الجديد أنني شعرت به وحمدت الله على الهدوء، وعلى العافية، وعلى لحظات التوقف من لهاث الأفكار المستمر. 

احتضنت هذه الراحة قليلًا وهأنذا أحدثك عنه كما حدثتك عن الشدة. 

***

أمس توفى إنسان جميل (مهاب نصر) حضرنا له حديثًا ذات مرة، تحدث فيها عن أهمية أن يكون المرء جديًا وصادقًا فيما يكتب، وتناقشنا بعدها قريبًا وبعيدًا عما تحدث عنه.

حزنت ودعوت له بالرحمة ولأحبابه بالصبر والسلوان. عالم كامل غادر هذه الدنيا وذهب لمكانه في الأبدية. سبحان من له الدوام.

***

 تذكرتُ الشيخ/ سعيد، ودعوت له بالرحمة.

كان شيخي وشيخ إخوتي يتابعنا في حفظ القرآن لعدة سنوات. يكبرني بعام أو اثنين، ذو صوت عذب، وشخصية متحمسة. لم أجلس أمامه في الحصص، بل كنتُ أجلس خلف الستار أتلو ويصحح لي. لم أستمر معه كثيرًا لأنني كنت أختلف مع آراءه ونتجادل كثيرا، وكنت أنفعل وأتحمس حتى قررت أنني لن أكمل معه. ظل يدرس إخوتي، وكنت أراه أحيانًا في مقر عمل والدي، وظللنا على تواصل. فجأة تزوج ورزقه الله بطفل، ثم ماتوا جميعًا في حادث. 

ربما ذكرني به خبر الوفاة، ولأني لأول مرة أمس أستمع باهتمام لدروسٍ في المقامات، وحاولت التدرب على مقام الصبا، وبين الفينة والأخرى أترحم على الشيخ سعيد. لطالما نصحني بتعلم المقامات، وأخبرني بأن صوتي جميل، وبالتدريب يمكن أن أستخدمه. لم أستمع له، ولا لثناءه، ليس لأني كثيرة الجدال معه وحسب، بل لأني كنت أتشكك في كل ثناء يوجه إلي، ظنًا أنني سأفسد نفسي إن صدقت أي مدح، بالإضافة للمثالية في تقييماتي لنفسي، فتكون النتيجة ألا يعجبني شيء. 

الآن إن أتعلم فهو من باب تحسين القراءة وإتقانها والاستمتاع بها وحسب. وبهذا أحاول تطبيق درس ثمين وهو أن الانغماس في تعلم مهارة جديدة، أو إتقان مهارة قديمة هو خير ما يفعله المرء ليتجاوز الأحزان والآلام والصعوبات في ساعات يقظته.

***

الدرس الثاني البارز أمامي هو أنه لا يمكن للمرء أن يعرف نفسه وحده، ولو انعزل وتأمل وصمت وفكر.

جزء مهم من معرفة الذات يكون بالآخرين محاكاةً أو انتباهًا للمختلف والنقيض والشبيه، وتفاعلهم معنا سواء بعكسهم المباشر لصورتنا أو من مجرد التفاعل معهم.

ليست هناك تعليقات: