السبت، مارس 30، 2024

تجارب جديدة ومخاوف قديمة

 حضرت اليوم مباراة كرة قدم يلعبها أطفال أصدقاء لنا في الفريقين المتنافسين. انشغلت في البداية في هاتفي أتصفح قليلا وأقرأ قليلا من كتاب ما. ثم مع حماسة الآباء والأطفال أغلقت هاتفي واستمتعت بالمشاهدة. حاولت أن أخفض السور العالي الوهمي الذي بيني وبين كل ما أعايشه تقريبا. 

استمتعت بحماسة الأمهات، ومع الوقت اندمجت في اللعبة واللاعبين. توترت عندما وجدت من هؤلاء الأطفال من يأخذ اللعب بجدية ويتوتر لدرجة البكاء في نصف اللعبة، ومن يستمتع فعلا ولا يهتم أكسب أم خسر.

تذكرت لعبي مع إخوتي على بحر جدة كل جمعة. واحتفاظهم لي بدور حارس المرمى.

لم أستطع التوقف عن التفكير في نقطة معينة. أن هذه تجربة عادية لأناس كثيرين (الأم التي تذهب بأولادها للنادي وتشجعهم)، وأنها تجربة جديدة لي لا تاريخ لي معها. وأنني أخوض تجارب جديدة عليّ، رغم عاديتها الشديدة لآخرين. أشعر بسعادة أحيانًا لأنني أخوض ما يكسر حلقة ما من حياة صُورت لي أنها المُثلى، أعيش حياة أنا من اختارها، لا تشبه حياتي في طفولتي ولا حياة أبوي في أي شيء. وهذا يشعرني بمخاوف كثيرة: الخوف من الحرية في الاختيار، والخوف من أبدو ساذجة تمامًا في وسط أُناس هذه حياتهم التي يعرفون كيف يتصرفون فيها جيدًا. والخوف من إساءة التصرف، وتضييع فرصة ما أفضل.

حملت مخاوفي الغريبة معي وقلت لها اليوم (بصي الكورة دي هناك)، واستمتعت.

المفترض أني اعتدت على أن أكون المختلفة وسط المجتمع الذي أنا فيه منذ نشأتي تقريبا، ومن المفترض أن هذا عودني على أن أتصرف دون إرشاد ما مُسبق، أو أن أرتجل. وأنا ماهرة في الارتجال في أغلب المواقف (بقدر مهارتي في التورط في مواقف غريبة تماما)، وفي التصرف في مواقف الطوارئ. ففي الطواريء يكون صوت الدافع للتصرف أعلى من صوت أي خوف.

لكني في المواقف اليومية التي تتطلب مهارات مبنية على الاستقرار والروتين الثابت أحتار دوما وأقع في حيص بيص، ربما لأني أسمع صوت المخاوف وأحس بها بوضوح مُربك. وهأنذا بعد أن تنبهت لعدم قدرتي على الالتزام بأي روتين مدة ٣ شهور متواصلة تقريبا أحاول أن أطفأ سارينة الطواريء داخلي وإبطاء إيقاعي قليلاً. وهو أمر غريب بعد كل هذا الاعتياد، وليس سهلا أبدا. لكنه ممكن.. أظن ذلك.

 ***

في نهاية اليوم، حدث موقف ما انفعلتُ فيه على ابنتي لأنها أكلت شيئًا ما لم أعرف من أين جاءت به، كما أنها تتصرف بعصبية مفرطة.

لا أعرف بالضبط القدر المضبوط من الكلام المناسب الذي يمكنها استيعابه. كم مرة يجب أن أكرر المعلومة، ما هو القدر الكافي من النصح الذي بعده ينقلب الكلام توبيخًا؟ أراجع نفسي كل مرة وأحرص أن أعتذر منها إن بلغ انفعالي حدًا معينًا، وأحتضنها كثيرًا. لكني في حرب دائمة مع كل هذه المجهولات، ومع الخوف اللعين. 

ما أفعله هو أنني أشيح بقلبي عنه وأتصرف. أحاول أن أحسن من نفسي. وأضبط نفسي التي تجد أقرب حل للمخاوف في التهرب. 

كنتُ أقول في أول زواجي أني لا أريد الإنجاب، لأنني أعرف مسؤولية الأطفال جيدًا، وهي أمر صعب، تفوق صعوبته أي متعة مُنتظرة. كما ظننتُ أنه يتطلب آباءً يعرفون ماذا سيعلمون أبناءهم، لديهم ثقة في أنفسهم تمكنهم من إرشاد إنسان جديد بريء لدنيا لا يعرفون المتوقع منها بالضبط. إضافة طبعا لصدمات كبرى في كل شيء عايشتها بعد الثورة لم تترك من الثوابت التي اعتقدت فيها من قبل ما يكفي.

 في ذهني القول المأثور: "لا تُكْرِهوا أولادكم على آثاركم، فإنهم مخلوقون لزمان غير زمانكم". وأيًا كان قائله فهو قاعدة عندي أؤمن بصحتها. وإن كان زماننا مختلف عن زمان آباءنا، فكذلك أبناؤنا.
وهذا يعني أن ما ينبغي الانتباه إليه معهم هو تعليمهم المهارات التي يمكن أن تساعدهم، وهذا يعني أن نتقن نحن المهارات الحياتية التي نود تعليمهم إياها. ليست كلها. لكن ما يكفي على الأقل. وبقدر استطاعتنا. 

بالإضافة لأهم شيء في الوجود وهو الحب والرحمة والرعاية التي تحيط كل كل شيء.

ظننتُ أن تطبيق هذا أسهل ما يمكن. واتضح لي أن محبتك اللامحدودة لأبناءك لا تعني أنك ستحسن التصرف معهم دومًا، نهائيا!
لذا فهي محاولة مستمرة لتحسين الذات، وتحسين التصرفات، ومعالجة أوجه الخلل في نفسك كمربي. يعني تربية لنا أصلًا. 

أحيانًا أتصل بأمي بنية سؤالها: كيف فعلتيها؟ كيف تجاوزتي المخاوف كل يوم؟ كيف لم يمنعك الخوف من تكرار التجربة ست مرات؟ 

لكن ما إن ترد على الهاتف، وتتهلل لسماع صوتي، تنزوي الأسئلة وتخفت، إلا السؤال عن الحال والصحة والجديد من الأخبار، ولا أريد وقتها من العالم شيئا إلا أن ترضى وتسعد. 

أما أسئلتي فيمكنها أن تنتظر.

ليست هناك تعليقات: