الحياة غير منطقية، ولا أسباب معينة تقود لنتائج معينة إلا في الروايات.
الحياة أكبر من المنطق. ونحن من اخترع المنطق لنرتب أمورنا، ونشعر بشيء من الأمان وسط كل هذه الفوضى غير المُتنبأ بها.
المنطق موجود، والأسباب التي تؤدي إلى نتائج معينة موجودة. لكنها كالطرق التي نمهدها والمدن التي نبنيها وسط البرية، الطبيعة أكبر من مدننا مهما كبرت مدننا.
نحن نمهد طرقنا، ونبني مدننا بالحكايات التي نحكيها لأنفسنا ولغيرنا، نؤسس عليها فهمنا لأنفسنا، ونرى من خلالها العالم.
يُقال إن المخ يُخزن كل شيء يراه ويسمعه ويحس به داخل نطاق قدرته، ولكن استدعاءنا لكل هذه البيانات الداخلة لا بد له من أن ينتظم في حكاية أو قصة ليخرج للعالم. والحكاية تستخدم ما ينفعها من البيانات وتهمل الباقي، أو تجعله هامشًا، لا تستدعيه الذاكرة ثانية إلا إذا ظهر إطار أو سياق أو حافز ما يُخرج هذه التفاصيل للسطح ثانية.
***
ثم يأتي الموت (وأحيانًا الزواج كما تقول سوزان سونتاج في أحد اللقاءات) ليضع نهاية ما تجعل ما قبله حكاية.
أي أن الموت نهاية الحياة، وبداية الحكاية بشكل ما.
هذه الفكرة جعلتني أتأمل فيها كسبب لرغبتي المتزايدة في الموت. ربما لأن أهم ما يجذبني في هذه الحياة هو الفهم. الرغبة في فهم العالم، وفهم نفسي، وفهم الآخرين، وفهم كل شيء.
وأشد لحظاتي ظُلمةً هي اللحظة التي أكف عن الفهم، أو يصبح فيه كل شيء غير مُستوعب وفوق الإدراك.
شيئًا فشيئًا أتشرب فكرة الإيمان، وأنه ليس نابعًا من المكان الذي أفكر به وهو العقل، وإنما ينبع من القلب. وما يقر في القلب لا يخضع كليًا لقوانين الإدراك المنطقي. لأن كل ما هو خارج نطاق استدعاءنا وتحليلنا الواعي للبيانات التي نتلقاها طيلة اليوم يتعامل معه القلب ويكون له حكم.
إذن فالقلب حساس لما ندركه بعقلنا الواعي، متقلب لأنه يحس بكل المشاعر، يربط جديدها بقديمها، ويرشدك بالمشاعر والإحساس. ربما بهذه الطريقة لأنه مكان استقبال وإرسال الطاقات فإنه إن يبصر تُبصر، وإن يعمى تعمى.
***
لذا فالإصرار على أن يكون العقل وتفكيره وحده حَكَمًا على الأشياء يضرني. لأنه يعطل الاسترشاد برسائل القلب ورؤيته.
وربما هو الدافع للرغبة في الفناء أو الموت لأني -بشكل ما- أستعجل نهاية قصة حياتي، أو أن لدي فضولًا نحو ما ستنتهي إليه الأمور، أو أنني لم أتعلم بعد كيف أقف وأتأمل في الأحداث التي تغير حياتي،وأستقي منها ما أريد أن أفعله، أو أغير الوجهة ببساطة إن تبين أني أحتاج لذلك.