أظن أن أكثر ما يعطلني شخصيًا عن الوصول لهدف ذو معنى في حياتي حاليًا هو الخوف من الفقد، واستعجال النتائج. بالإضافة لصعوبة إفلاتي من التوقعات المثالية أو تطلبها.
أجد نفسي إما مُحبطة لأني لم أحقق النتيجة المرجوة حسب تصور منمق أرغب بشدة الوصول إليه، أو أتلكأ في أن أبدأ الفعل، أو أملّ بسرعة مقررة أن الأمر لا يستحق هذا التعب.
لاحظتُ أني أُنتج وسط مجموعة أو بالتزام أجبر نفسي عليه بشكل أو آخر، مثل التحاقي بورشة ما لمدة محددة، أو اشتراكي مع متخصص أو مجموعة لفترة محددة. ورغم أني أسعد بحصولي على نتيجة ما بهذه الطرق، إلا أني أدخل في دوامة غريبة بعدها. بعد انتهاء الضغط أستشعر الحرية، وأعطي نفسي مبررًا للغرق في المُلهيات بعيدًا عما أريد تحقيقه.
أريد أن أغير هذا الأمر لنمط أكثر استقرارًا ومتانة بحيث أصل لما أريده فعلًا بدل التمني. أو على الأقل أن أعيش تجربة متكاملة متصلة تمنحني نتيجة يعول عليها بعد ذلك في القرار أن أستمر أو أتوقف عن السعي في طريق ما.
ربما يساعد أن ألا أُحمّل الأفعال حمولة عاطفية تعطلني، أو أحبسها في توقعات مثالية.
أحب أن أتذكر تجربتي في تعلم السباحة مثلا. من بدايته وأثناء تعلمي، كنت لا أصبر على جسمي في عدم إتقانه للحركات، أغضب وأضيق بنفسي ويدفعني ذلك للمحاولة أكثر، لكنه لا يمنحني أي راحة أو متعة تخفف الإحباط الشخصي من نفسي، إلى أن تعلمت من فترات الراحة في الماء بين الحركات أن الأمر ممتع، وأني بالفعل أتقدم وإن كان ببطء، فتجرأت على أن أعطي لنفسي أيامًا للعب دون ضغط الإنجاز الذي أضع نفسي فيه كلما دخلت المسبح.
جربت بعدها تمارين المقاومة لما علمته من فوائدها لصحتي التي تتداعى، فوجدتها مؤلمة للغاية ومملة ورتيبة، ولم أجد فيها متعة السباحة. وربما لو لم يؤلمني أكثر المبلغ المدفوع للاشتراك ما أكملت. لكني تعلمت درسًا بعد المرة العاشرة مثلًا. أن الألم الذي أشعر به يبني بالفعل أو يزرع شيئًا جديدًا في النفس والجسد، وأنه يتأخر مع الاستمرارية والمداومة.
فالعمل مع الخوف من فقد الراحة الثمينة مُجزٍ آخر الأمر.
لن يختفي الخوف بفعل ما سحري، بل يخفت صوته العالي أو يُدفَع تدريجيًا بالعمل، حتى يستقر الدرس الجديد، أو العادة أو الفعل الجديد.
وهذا سبب أني أكتب هنا -قد أفعل بانتظام حتى ينتهي دور هذه الكتابة- لأني أريد أن أستعيد الكتابة دون خوف من القراء وردود فعلهم، ومن حبهم وكراهيتهم، أو من أقول كلامًا مملًا ضحلًا لا فائدة منه، وليس جذابًا.
بل إن شعار المرحلة القادمة هو: لنكتب كتابًا رديئًا! كما نصح ماركيز مثلا..ولأكتب كتابة رديئة. الأمر تقريبا لا مفر منه. لا ينبغي أن نأسر البدايات في توقع أو فرض أن تكون مبهرة أو ممتازة، او حتى جيدة طيلة الوقت. يمكن أن نحاول.
لنكتفي بالجيد، ونواصل العمل حتى الممتاز والمُتقن.
أمس شاهدتُ فيلما وثائقيا عن (كيرت فونيجيت)، تعلمت منه كثيرًا، وتفاعلت معه. من أهم ما انتبهتُ له هو الوقت الذي يستغرقه الكتاب ليخرج مهما كنت مهمومًا بالأمر، وأن ما يصل بك هو الاستمرارية والإصرار على الاستمرارية، والمحاولات التي لا تنتهي حتى تصل - أتذكر شعار "لا أبرحُ حتى أبلغ" الآن-.
درس مكرر من كل كاتب ذو شأن، أو فنان أو صاحب أي صنعة.
أحب أن أتحدث عن هذا الكاتب الذي يصاحبني هذه الأيام في وقت لاحق إن شاء الله.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق