الخميس، أبريل 18، 2024

إلى ماتيلدا ٢

إزيك يا ماتيلدا؟ جسمك ارتاح في قاع البحر، وروحك بتلف الفضاء؟ ولا إيه؟

كلامك كان قليل يا ماتيلدا طول عمرك. ولما بتتكلمي كلامك بيأثر في اللي حواليكي. ما أعرفش حقيقي لأنك كنتِ بتقولي كلام عميق وحكيم وكده ولا عشان جميلة، ولا لأن كلامك قليل فبيتسمع باهتمام؟ 

 باحب الناس (اللي في قلبها على لسانها) وبأحس معاهم بالأمان. والأمان عندي عزيز، لأني عرفت التعدي والخوف والقلق فترات في حياتي لم أكن أملك فيها إلا أن (أعمل ميت) لحد ما المفترس/أو العاصفة/ أو الموجة العالية تعدي. فعشان كده الإحساس بالأمان شيء عظيم ومش متاح طول الوقت، وبأسعى إني أكون أحد مصادره للي حوالي.

ورغم كده ما بأعرفش أعمل ده (أقول اللي عايزه أقوله مباشرة ) طول الوقت. بأبقى عايزة أقول كلام واضح وبسيط زي (بحبك)، (وحشتني)، (ايه الحلاوة دي)، (زعلتني). بس ما بيخرجش في وقتها. مش كل وقت بنعرف نقول الكلام البسيط ده حتى لو لإخواتنا اللي بقالنا سنين ما شفناش بعض، فبنلف حوالينها بالاهتمام بتفاصيل هامشية و(إزيك؟ وعامل إيه)، وأحوال الطقس، وأكلت إيه؟ واتفرجت على إيه؟

في أوقات مثلا بنبقى عايزين نتماسك وما نطلقش العنان لعواطفنا عشان محتاجين نتقوى (أو ممكن مش حاسين إنه حقنا ناخد مكان/ نشغل حد)، أو عشان الأحسن كده، أو أي أسباب تانية كتير.

فأنا الحقيقة أحتج على الكلام اللي بيهرب مني في المحادثات المباشرة. رغم الجمل الطويلة  اللي بأحاول أوضح فيها، أو ألاحق بيه أفكاري. يمكن الكتابة بتعوض -أو نأمل ذلك يعني- أو بتخليني -كشخص بصري- أشوف اللي في دماغي وتديني فرصة أعرف إن كنت عبرت عن المشاهد والأفكار والمشاعر اللي جوايا صح ولا.

عمومًا هو الكلام هدفه الأول التواصل، وحفظ التاريخ، وتيسير الحياة محاولة مننا كبني آدمين للبقاء ومعافرة الموت.

***

امبارح قلت لحد وأنا بأهزر إنه اللي يعرفني لعمق معين لازم يموت -كفكرة مش في الحقيقة-. أظن إن دي فكرة مغروزة جوانا إنسانيًا، أو ليها تاريخ يعني. بيعملها المتسلطين والطغاة طول الوقت، زي جزاء سنمار كده. وطبعا دافعها الخوف (معروفة) بألوانه، أو الرغبة اللا إنسانية في التحكم في الخطاب أو القصة، أوالبدء من جديد على نضافة، أو استعادة البراءة ..أو أي هجص غير واقعي ومش من تركيبة الإنسان المتصالح مع طبيعته.

لكن في الحقيقة يا ماتيلدا اللي عرفونا بعمق عُزاز وحبايب طالما اهتمينا ما نأذيش بعض. والواحد هايعوز إيه من أخوه الإنسان غير إنه ما يظلموش ولا يأذيه؟ حاجة زي كده اللي دخلتهم بيتك واحترموا ده وصانوه، الحب بقى إنهم يفضلوا في ظهرك، ويدافعوا عنك. بينك وبينهم سلام وثقة. ده يخلي كل واحد فيكم يمشي في الغابة دي والوحوش أقل بواحد.

الحقيقة كمان يا ماتيلدا كل اللي الواحد عايزه إنه يحاول يقرب المسافات ما بين الحرية اللي بيطمح ليها، وقيود الواقع الكتير جدا.

إنك تعيش في دماغك وما تحتكش بالواقع كتير، بيدي حرية كبيرة جدا في التفكير، والحدود بتتلاشى. كمان ممكن يتلاعب بحجم الحاجات الحقيقي، فيضخم حاجات صغيرة ويصغّر حاجات مهمة. الواقع بقى زي المادة كده ليه قوانين محددة تماما لازم تتعامل بيها، وبيدي كل حاجة حجمها -في الغالب-.

الحرية دي بننفس عنها بالفن. الرسم والكتابة والتصوير والنحت والتطريز والرقص إلخ إلخ. وده برضو عشان يستمر ويبقى أصيل وصادق وخالد (يعيش أطول من صاحبه على الأقل) لازم بيبقى في موازنة بين التعامل مع الواقع، وأخد مسافة منه أو الانعزال اللي مش بس بيوفر تأمل وتبصر، بل كمان بيمدك بجرأة أو بقدرة عمومًا على التعبير عن الأفكار والمشاعر زي ما هي. وليتعامل كل من يراها بطريقته.

***

مفيش حاجة حقيقية في الحياة وكبيرة سهلة إلا في الظاهر. وكلمة زي (بحبك) زي الكرزاية الحلوة على التورتة، التورتة لازم مكوناتها تبقى طعمة عشان المنتج النهائي يبقى طِعِم. ثم تيجي بهجة العين بالزينة والكرزاية.

الحب بين الناس شغل مستمر من العناية واليقظة والحضور في الذهن والجهاد مع النفس إنها تساع نفسها وغيرها -قدر استطاعتها-. (لو احنا جوه الحب اللي هو الشغل المستمر ده، ساعتها الكلام بيأكد ويطمن ويذكر، لكن مش هو اللي بيبني الحب.

عشان كده لو بنعبر عن حبنا لشيء أو شخص بالكلام معظم الوقت، فهايفضل في شك كبير لو الواقع ما اختبرش الكلام ده باللقاء والاختلاف والتعامل مع الخلاف والرعاية والعناية إلخ، وفي الأشياء برضه لازم الواقع يختبر حبك ليها بالتعامل معاها وتحمل مشاقها والوقت اللي بتاخده منك إلخ إلخ.

عشان كده لما نعرف ناس جديدة ونحبهم وبعدين نقولهم، الأولى بتبقى بنعرفهم، وبعد كده بنفكرهم ونطمنهم بس. 

والواحد مفرهد يا ماتيلدا. وكفاية مواعظ وحكم ع الصبح. المرة الجاية هاحاول أقول أناول الكرزاية للي عايزة أناولها له، أو سأبتلعها في صمت. وهاجيلك بالحكايات بعد كده يا ماتيلدا أبرك -بشبش الله الطوبة اللي تحت راسك- وريحك من اللف ع المجرات.

ليست هناك تعليقات: