الأحد، نوفمبر 18، 2012

التخلص من الذكريات

إلى العابر..أو إلى النسيان:

اعتراف أول:
أنا حالمة..وهذا مُخجل.

اعتراف ثانٍ:
لا وقت للتعلق الطفولي بالأشخاص، والذكريات. الحياة مستمرة رغم كل شيء، ولا بد أن نواصل المسير.

اعتراف ثالث:
الهرب أسهل وأسرع وأخف من المواجهة.
المسئولية ثقيلة في أصلها، والمعرفة ثقيلة في جوهرها، والعلم شفاف جدًا* لكن دومًا توجد نوافذ وطرق للتخفف والتخفيف، منها ما أحاول فعله الآن.

(1)
أُغرق في اللحظة والشعور حتى يصعب بشدة علي الخروج من الحالة. وأصبحُ عالةً على نفسي وعلى الوجود. 
ثم من طرف لطرف أقوم بتصرفات جذرية كاجتثاث كل ما يذكرني بفترة زمنية معينة.
علاقتي بالزمن  أصلًا مضطربة . بمعنى أنني لا أملك ذاكرة تسجيلية تاريخية، كل الأوقات أتذكرها بالتقريب، أتذكر أحداثًا ولقاءات..شعورات ..خبرات من المواقف..لكن لا أتذكر متى حدث هذا بالضبط.

كنتُ ألجا قديمًا للخروج بعد كل موقف مؤثر بنتائج (ما يستفاد من هذا الموقف)، عن طريق التحليل -المفرط أحيانًا للموقف أو الحدث- وأحاول السير على هداها بعد ذلك. 
ثم أني كنتُ أنسى الدروس المستفادة، ولم أستفد بكل الوقت المستنفَذ في التحليل والنحنحة ومقاومة الحزن الباعث على الحزن.
ورغم هذا ..لا مانع أن أخبرك بآخر ما تعلمته: استسلم كي تطفو. لا شيء يستمر.
بمعنى: إذا كَبَس عليك الحزن، فلا تخجل منه، ولا تزد من ثقله. أنهِ الدمع. أخرج ما في جعبتك واصبر على نفسك.

أنا متحيزة للفرح والبهجة بصراحة، أدلله إذا ما جاء وأعبر عنه بسخاء..وأكبت الحزن، فتكون النتيجة أن يعبر الفرح خفيفًا، ويبقى الحزن في القاع كوسخ صعب الإزالة.

(2)
أمس كنت أتحدث مع أحد إخوتي عن محمد محمود، فأخبرني كلمة أستاذي وأبي له: "محمد محمود ذكرى مش معبد ..تجاوزه بقى".
وهي كلمة معبرة جدًا وفي الصميم كالعادة.
لم أتحدث قبلا عن محمود محمود إلا لعدد محدود جدًا من المقربين وباقتضاب. ولقد حرصت على تنظيف أية آثار قد تذكرني بشكل شديد الشخصية عن هذه الأيام. كنت أتصرف بطريقة معينة، اكتشفتُ أنها تكاد تشكل لدي نمطًا. بداية اليوم أتوجه هناك..أسلم على من أستطيع من الأصدقاء المنتشرين هنا وهناك في الميدان ..ثم أقيم ساعات اليوم مع أناس عابرين لا أحملهم مسئولية حمايتي بشكل ما..وإنما نعمل وفقط. أعلم بشكل يقيني أنني لم أفعل شيئًا يذكر. لم يقل لي أحد ذلك، بل لي عينان تريان وقلب يبصر أحيانًا. 
لم يثبت في ذهني سوى موقفين عنيفين خضتهما. أحدهما أحد المُسعَفين وقد انتابته نوبة صرع، لا أعرف فعلا ألأنه مريض به أم بتأثير الغاز واستعداد لديه. صورة الطبيب وهو يثبته كأنه يبرك عليه. 

والثانية في المستشفى الميداني بكنتاكي عندما انتاب المستشفى فجأة  حالة فزع وكان العدد كبيرًا فتدافع الناس بشدة حتى كاد كل شيء داخل المستشفى المسور بحبل غسيل عادي أن يُهرَس. ليس فقط دهس الطعام والإمدادت الطبية كان هو المشكلة..لكن وسط الزحام أذكر جيدًا الطفلة التي تركتها أمها لنا لأن الربع متر الذي نقف فيه أأمن..الأم بالبنت كانت مجرد عابرة من عملها للمنزل. 
23-11-2011 من موقع روسيا اليوم**
هذه الصورة فوجئت بها وسط ألبوم دوري كان موقع أخبار روسيا اليوم يعرضه لأحداث العنف في محمد محمود. عرفتُني وفوجئتُ. فنحن لا نرى أنفسنا واقعًا ومجازًا. إننا نتحرك عبر التصورات، وهذا يعيقُ وضوح الرؤية. 
لا تسع ذاكرتي هذا المصاب، وهذا شيء عجيب آخر، فالكثير مما يجري أمام أعيننا ولا نراه فعلاً. فلماذا نتعصب لأي رأي أصلًا.

أثرت محمد محمود في قرارات شخصية في حياتي، حيث أنها جذريًا أرتني أنه "من يريد شيئًا فعليه أن يدفع الثمن ويتحمل". وأن نسعى ونتحمل مسئولية الفعل هو عين النضج. وأن على العبد السعي وعلى الرب التدبير، النتائج ليست مضمونة على أية مستوى.

وأنه مع سعينا ونقصنا وصراعاتنا، فإننا فقط "نحاول"..لا يسعنا إلا أن نحاول ونعيد المحاولات. وخلاص.

(3)
وأن نتائج مواجهة المشكلات على صعوبتها دومًا ما تكون نتائجها مدهشة وغير متوقعة.
وأن الواقع أكثر إدهاشًا من تصوراتنا عليه. 
-------------------------------------
* عالقٌ في ذهني هذا التعبير منذ قاله أحمد أبو الفضل ذات مرة.
** حاولت أن أجد الألبوم لكن لم أجده.

هناك تعليق واحد:

Green يقول...

أول مرة اشوف البوست ده ...
يمكن علشان مش بتابع بلوج سبوت زي زمان ..
بس انا حاسة حاجة غريبة ...
زي نور تشوفه بجنب عينك من غير ما تشوفه فعلاً .. لحظة شخصية جداً ، من الحاجات الكتييرة الصغيرة و الغريبة اللي بتخليني دايماً احس اني بشكل ما متصله بيكي :)
سارة ..
انتى ذكية جداً و جميلة جداً ..
حبيت بس اقول لك كده :)