الجمعة، يناير 12، 2024

العمى والنَظَر

 يدخل أشخاص حياتنا في لحظات معينة على حين غفلةٍ منا، أو في فترة ضبابية ما. نتشبث بصورة معينة عنهم تهديء من روعنا في الظُلمة التي نحن فيها. حقيقتهم ظاهرة، لكنهم يقفون في بقعة العمى من نظرك. (أو لنقل إن أجزاء من حقيقتهم تظهر لك وتعلن عن نفسها، لكنك لا تراها).

عندها وإن وقفت أقوالهم عاريةً عالية الصوت، يُلبسها تَخَبُطُك جانبًا واحدًا من المعنى، ويُغفل الآخر. أو يُلبس خوفك المتحدث بعض الملابس ويُهمل الأخرى، فتحتفظ بصورة أنيقة للمتحدث كل مافي الكادر فيها مُختار بعناية. بينما نحن جميعًا بشر نأكل الطعام ونمشي في الأسواق -بكل مقدمات وتوابع معاني هذه الجملة-.

تُثيرُ الإيماءات شرارةً في نهاية رؤوسنا، نتجاهلها لأننا نحب أن (نزن الأمور بالعقل). تُومَضُ مواقف معينة في ذاكرتك من ماضيك، أو يختلق مخك مواقف عجيبة يُظهرها في أحلامك. تهشها في لحظتها لأنك (لا تؤمن بالتفكير السحري).

نفسك الخائفة من الرفض/المتألمة من أذى العالم/الباحثة بملل ويأس عما يُجمّل وجه العالم القبيح ويجعله مُحْتمًلًا. هذه النفس تُمسك بزمام قيادة الموقف، وتضع كل ما لا يؤيد حاجتها وراء ظهرك، تأخذ الكلمات الواضحة المباشرة التي يقولها من أمامك عن نفسه، والكلمات المباشرة الصريحة التي تمثلك في رأسك، وواقعك، وواقع الشخص الذي أمامك، وأغلب ترجمات الأفعال - وتزرعها في حديقة الشك عندك، أو تكدسها في مخزن خلفي لعل الغباريغطيها للأبد.

لكن الغبار لا يغطيها، ولا القوارض تأكلها. كل ما يحدث أن اختيارك للأجمل والأكمل من الصورة ومن الحياة لم يخدمك في هذا الموقف.

لا تجعل اختيارك للجمال والكمال يخفف حذرك من الأذى. حذر العارف بالحياة المركبة، وبوجوه العالم المتعددة، وبطبيعته المتغيرة المُدهشة التي لا بد أن تفاجئك بجديد لا تعرفه كل فترة (عن نفسك والآخر وأي شيء)، أو تذكرك بما نسيت، أو تؤلمك من حيث لا تحتسب لتتعلم وتنمو. 

ما من موقف أو شخص في هذا الحياة يحمل جمالًا دون قبح، أو صحةً دون مرض. يُفيد أحيانًا أن نختار زوايا النظر، وننتصر لبعض الجوانب على أخرى، لكن من الإنصاف لأنفسنا أن نعرف بقع العمى في مساحة نظرنا، وأن نعي اختياراتنا في زوايا النظر.

أحيانًا يكفي التفاتة يسيرة عن المساحة المكشوفة أمام ناظريك، أو حركة بعيد عن مجالك المألوف لترى ما لم تكن تراه.

ودومًا لا بد من زيارات متكررة للمخزن الخلفي، لنفض الغبار، والتخلص مما لم نعد نحتاجه من متاع أنفسنا، فمهما خفّ ما تحتفظ به، ستتخدر يداك من الثِقَل إن حملته بلا فائدة مدة طويلة.

لك نصيب من الألم القارح، والحزن الجارف، والمرض المُقعد والخفيف والعابر- بالضبط كما لك نصيب من العافية، والصحة الوافرة، والسعادة النقية. فتذكر. كلها لحظات عابرة، ومتقلبة، ودوَّارة.

وفي كل أحوالك لم تُترك في هذا العالم وحيدًا. خالقك الذي أوجدك بحبه يرى ويسمع ويرعى ويعفو ويصفح. لم يطلب منك الكمال الذي له وحده - بل طلب منك التقوى والإنابة والمحاولة ما دمت حيًا- ورحمته سبقت غضبه، ورحمته وسعت كل شيء، فلا يأس ولا قنوط.

فجددي حبك بالأمل يا نفسي، واسجدي واقتربي.

وجدد حبك بالأمل يا العابر الجميل، واسجد واقترب.

ليست هناك تعليقات: